عبد الرحمن الراشد
السؤال في محله وفي وقته. نحن أمام احتمالين متناقضين حول الكيفية التي ستصبح غزة حماس عليها؛ الأول ان تلعب حماس لعبة البقاء فتتعامل مع الاسرائيليين بدهاء حتى لا تصطدم معهم إلا في معارك شكلية وكلامية، وهذه نصيحة كثير من المحسوبين على التيار نفسه الذي يرى ان غزة فخ مدبر، وأنها خسرت بسببه أرضا ونفوذا أكبرَ، وفي الأخير قد تكون غزة مقبرة لحماس ومَنْ خلفها. والثاني ان تبقى حماس منظمة آيديولوجية التصرف الى درجة لن تطيق البقاء بلا معارك، وهو الأمر الطبيعي بما يعكس وعودها وأدبياتها، بل ومطلوب منها خاصة من الدول الداعمة لها مثل سورية وإيران، أي ان الحرب واجبها شعبيا ومفروضة عليها من قبل الممول.
اي اننا أمام حالتين على حماس ان تستنسخ واحدة منهما لغزة، إما ان تكون الجولان او جنوب لبنان. فسورية على الرغم من انها اكثر مَنْ يتحدث عن الحرب والعداء والرفض إلا انها الوحيدة التي لم تحارب ابدا منذ نحو 35 عاماً، ولا تزال الجولان أهدأ الجبهات. حتى الاردن دخل في جولات عسكرية دفع ثمنها غاليا، وتسلل عبر أرضه المكشوفة فدائيون وأسلحة بعد توقيع اتفاق السلام. اما الجولان فقد ظلت هضبة مُسَالِمة وهادئة إلا من بعض زغاريد الزيجات بين المواطنين.
قد تصبح غزة مثل الجولان هادئة، وحكومة حماس مثل حكومة دمشق تصرخ لسنين بوعود النضال والمواجهة والتحرير، مجرد خطب إنشائية.
ونلمس شيئا من هذا الدهاء السياسي عند حماس التي قاتلت كلاميا اسرائيل بعد ان فازت في الانتخابات، وانحسر عدد العمليات الانتحارية بشكل كبير جدا، وكذلك إطلاق الصواريخ، مقارنة بما كانت عليه ايام فتح، لكن مايكروفونات قادة حماس لم تهدأ عن التهديد بإزالة إسرائيل.
الخيار الثاني ان يجعل قادة حماس غزة مثل جنوب لبنان عبارة عن جيب مفتوح يستخدم من قبل الغير. لمسة زر في دمشق او ايران تحيل غزة الى جبهة من نار حسب الحاجة.
وهذا يعيدنا الى طبيعة حماس نفسها، إما انها نظام حقيقي يمثل نفسه ويقوم بحساب الوضع على الارض، وبالتالي لا يدخل في مغامرات مباشرة، كما تفعل سورية، وإما انها نظام تابع ينتظر التعليمات، كما هو الحال في لبنان. فجنوب لبنان يستخدم لضرب اسرائيل باسم مزارع شبعا او ثلاثة اسرى لحزب الله، وكلها صراعات بالنيابة. أما الجولان فرغم ضخامة مساحتها وجسامة اهميتها، فان أحدا لا يجرؤ على اطلاق رصاصة واحدة منها.
ولا يستبعد ان تنفذ حماس عملية كبيرة تبرر لها انفصالها، وتؤمن لها شعبيتها عربيا، وتمنحها الدعم الضروري من دمشق وإيران، وتتحمل خسائرها لفترة من الزمن، ثم تلجأ الى المهادنة والمناورة والحرب الكلامية، كما فعلت من قبل. وخطورة هذا الاحتمال انه لا يمدد في عمر حماس، وقد يكون فخا حقيقيا للتخلص منها، بما يرضي الاطراف الفلسطينية والعربية والأميركية وبالطبع الاسرائيلية.
التعليقات