جدعون ليفي ـ هآرتس

فيما يلي قصة نجاح: فرضت اسرائيل والغرب المقاطعة على السلطة الفلسطينية بقصد إضعاف حماس، وبعد نحو سنة ونصف آتت هذه السياسة نتائجها. فقد تعززت قوة حماس. اذا كان ثمة عبرة من الاخفاق في غزة فهي أن: التجويع، والتجفيف ومنع المساعدة لا يكوي الوعي ولا يضعف حركات سياسية. العكس هو الصحيح.
لقد لطم الواقع وجه الخبراء والمحللين الذين دعوا الى سياسة المقاطعة. فقد فشلت فشلا ذريعا الفكرة الحمقاء التي قالت انه يمكن اسقاط حكم منتخب باستعمال الضغط على سكان عاجزين. لقد قاطع العالم حكومة الوحدة التي ربما كانت تستطيع منع المشاهد الصعبة في غزة لو تُركت تحكم، وهكذا حصلنا على البديل وهو سيطرة حماس التامة على غزة بانقلاب عسكري وفصلها عن الضفة. هذه أنباء سيئة.
يمكن أن نورد الآن مجموعة من الأخطاء المصيرية التي ارتكبتها اسرائيل والولايات المتحدة وفتح، وأدت الى ما أدت اليه، لكن السؤال المطروح الآن الى أين سنتقدم. هل سنستمر في سياسة المقاطعة والحصار، حتى تظهر في غزة سلطة متطرفة وأشد خطرا، كالجهاد العالمي أو القاعدة، أو نستوعب حقيقة أن الأمر لن ينجح بالقوة، وأنه لا تمكن اعادة العجلة الى الوراء على حساب السكان الضعفاء، وانه يجب تغيير الاتجاه.
تتبع اسرائيل والولايات المتحدة الآن سياسة تحسين صورة محمود عباس. يوجد في هذا قدر كبير من التلون والنفاق. فحتى الأمس القريب اعتُبر فقط زعيماً منتوف الريش، رُفضت جميع طلباته وتم القيام بكل شيء من اجل ضعضعة حكومته. فما الذي تغير الآن؟ والادعاء أن الحديث عن ضرورة تعزيزه يرمي الى المس بحماس هو ادعاء لا أساس له. فقد ضاعت غزة. لن تنتعش فتح سريعا في غزة، بعد أن هرب قادتها الى رام الله، تاركين رجالهم لرحمة حماس. من السيئ جدا أن حماس سيطرت على غزة، يجب اذا تعزيز عباس، لكن يجب الاعتراف بقيود هذا التوجه: لن تعود الامور الى ما كانت عليه.
نحن أمام كوريتين: الضفة مثل كوريا الجنوبية والقطاع مثل كوريا الشمالية. فعلى الرغم من سلب حماس انسانيتها وتعظيم فتح، ما تزال الحركتان اشكاليتين جدا. سقطت غزة مثل ثمرة ناضجة في يد حماس بسبب الفروق الاجتماعية ـ الاقتصادية في الأساس بينها وبين الضفة. غزة أشد فقرا ولهذا أصبحت أكثر تطرفا. إن التفكير في أن زيادة الجوع بين سكانها ستحوّل آراءهم وتجعلهم مُحبين لصهيون ولامريكا هو تفكير مخطئ: فهو سيجعلهم أكثر تطرفا. لهذا لا مفر من النظر الى الكيانين الجديدين اللذين نشآ نظرة متساوية: يجب مساعدة كليهما. مع حماس أو بغيرها، غزة المزدهرة هي التي ستُغير طريقها.
تحاول حماس الآن إقرار سلطتها، بعد الانقلاب القاسي الذي قامت به. يُبلغ صحافيون اجانب زاروا غزة في الايام الأخيرة عن هدوء في الشوارع، وعن عدد قليل جدا من المسلحين والحواجز بل عن أمر يحظر على الرجال التجوال مقنعي الوجوه. هدأت ايضا حروب العائلات التي مزقت القطاع في الاشهر الأخيرة، تقريباً.
يتعين الآن الطلب من القيادة الجديدة أن تضع حدا ايضا، على نحو تام، لاطلاق صواريخ القسام على اسرائيل والعمل على اطلاق سراح جلعاد شليط وألين جونستون. اذا سلكوا هذا السلوك فيجب على اسرائيل والعالم رفع المقاطعة والبدء بالسماح لغزة بالعيش . يجب البدء فورا في الضفة بسلسلة من الخطوات الواسعة النطاق: وقف تام لاطلاق النار، وإزالة جميع الحواجز الداخلية واطلاق واسع للسجناء. ربما لا تأتي فائدة من غزة، لكن يجب فعل كل شيء لتحلية المرارة. المصلحة الاسرائيلية هي ترك غزة تعيش، حتى لو لم تُعجبنا القيادة.


ترجمة : عباس اسماعيل