ترودي روبين ـ كي آر تي

لعل واحداً من أكثر التطورات الواعدة في العراق، والأكثر مخاتلة مع ذلك، هو تلك المعارضة المتنامية التي يتبناها الزعماء القبليون السنة للقاعدة في العراق. فخلال الأشهر الأخيرة، عمل تحالف قبلي على إحداث خفض حاد في حدة العنف الذي كان يسود محافظة الأنبار، تلك المنطقة السنية التي استضافت الجماعة الإرهابية ذات مرة. ومع أن التقارير الإخبارية تزعم بأن هذا التحالف يتداعى، إلا أن تحالفات قبلية جديدة تجري إقامتها لمحاربة القاعدة، إلى جانب عناصر التمرد البعثية المتشددة، والمعروفة باسم quot;الصدّاميينquot;.

ربما تكون هذه بعض أفضل الأخبار التي تأتي من العراق، في وقت ليس فيه سوى القليل مما يمكن اعتباره أخباراً طيبة تتسرب من هناك. ولا تظهر التحالفات الجديدة في الأنبار فحسب، وإنما في كل المناطق التي تعتورها المشكلات حول بغداد، حيث كان عناصر القاعدة والصدّاميون قد فرّوا بعد أن أرغموا على مغادرة الأنبار.

أحد الأمثلة على ذلك، هو أن الأفراد الشيعة من القبيلة المعروفة باسم quot;بني تميمquot; باتوا يتحركون في محافظة ديالى إلى الشرق من بغداد بالتعاون مع القبائل السنية. وهذه المنطقة هي التي تشن فيها قوات الولايات المتحدة هجوماً في هذه الآونة. ويمتلك زعماء بني تميم أسماء ما يقرب من 5.000 مقاتل قبلي يرغبون القتال من أجل حماية أنابيب النفط الحيوية، والذين يريدون مساعدة الأميركيين في إنجاز مهمتهم.

ثمة مثال آخر لا يقل أهمية، فقد تقابلت مؤخراً مع الشيخ علي حاتم سليمان، والذي يمثل رئيس اتحاد قبائل الدليم، أكبر التجمعات القبلية في الأنبار كان قد تقابل مع 200 من زعماء القبائل في الرمادي، حيث شكلوا ما أسموه quot;مجلس شيوخ الأنبارquot;، الذي يرغب العمل مع الأميركيين ضد القاعدة.

تحدثنا في مكتب علي حاتم في بغداد. وكانت الجدران مزينة بصور من فترة الملكية في العراق، تظهر فيها صورة الجد والوالد بينما يقابلان على التوالي الملك فيصل الأول والملك فيصل الثاني. وتناولنا غداء من اللحم المشوي والدجاج والطماطم والبصل، والتي تؤكل مع الخبز العراقي المفرود، بينما وقف عدد من الحراس المسلحين في الخارج.

قال الشيخ البالغ من العمر 35 عاماً، في عباءته القبلية الطويلة وسترته البنية وحطته الحمراء والبيضاء: quot;كانت الأنبار ملجأ آمناً للقاعدة، لكنهم فقدوا الأشخاص المهمين الذين كانوا يدعمونهم. إننا لا نستطيع التعامل مع هؤلاء الناس بعد الآنquot;.

ولكن، لماذا كانت القبائل تتعاطى مع القاعدة في إحدى الفترات؟ الإجابة المختصرة على هذا السؤال هي: بسبب حاصل أخطاء إدارة بوش. ففي عام 2003، صنف مسؤولو الإدارة القبائل العراقية بوصفها معيقة للديمقراطية. وقد فشل هؤلاء في فهم أن القبائل تقدم شبكة اجتماعية أساسية للكثير من العراقيين. وبدلاً من استخدام هذه الشبكة، عمل الأميركيون على استبعاد الزعماء القبليين.

أصبحت قبائل الأنبار أكثر غضباً عندما قام الأميركيون بتفكيك الجيش العراقي الذي كان يستخدم الكثير من السكان المحليين. ويقول علي حاتم quot;بسبب تصرفات الأميركيين، سمح سكان الأنبار للقاعدة بالدخول إلى هناquot;. لكن القاعدة قامت فيما بعد بتغريب القبائل (رغم النقود التي قامت بتوزيعها). وقامت باغتيال رجال الدين والشيوخ، ولعنت النساء والفتيات المحليات وحاولت فرض فهمها المتطرف للدين. ولما لم تعد المنظمة تتألف بشكل أساسي من المقاتلين الأجانب، فقد جندت أسوأ العناصر من رجال القبائل.

وهكذا، وخلال السنة الماضية، بدأت القبائل بمحاولة رد الضربة، متمتعة بمساعدة الأميركيين من الأموال والأسلحة. لكن هذه القصة لم تكن بالطبع بلا مشاكل، فثمة بعض القلق من أن تشرع القبائل بمقاتلة بعضها البعض. وقد تم تشكيل مجلس شيوخ الأنبار بشكل أساسي كشكل من رد الفعل على جماعة قبلية أخرى تدعى quot;مجلس خلاص الأنبارquot;. ويوجه على حاتم اتهامات إلى رجل يدعى عبد الستار أبو ريشة بارتكاب أعمال إرهابية، وباحتجاز الأشخاص الخطأ. وفي المقابل، ينكر أبو ريشة هذه الاتهامات ويبدو أنه يحظى بدعم الجيش الأميركي في الأنبار. وسيكون من الحكمة أن يتوسط المسؤولون الأميركيون بين الطرفين بدل الاصطفاف إلى جانب أحدهما (وأن يتحروا أي مزاعم الطرفين هي الصحيحة).

في الوقت ذاته، تساور آخرين مخاوف من أن يفضي تسليح القبائل إلى خلق جماعات سنية مسلحة جديدة. ويؤمل أن يتم تجنب ذلك عن طريق تحويل مقاتلي القبائل إلى كتائب شرطة مساندة تخضع لسيطرة الحكومة العراقية. أما أكثر المخاوف جدية فهو التالي: يقوم علي حاتم والزعماء القبليون الآخرون بدعوة جماعات المتمردين السنة إلى الانضمام إليهم في قتالهم. فهل يمكن لهذه الجماعات أن تنقلب على الأميركان أو الحكومة العراقية بمجرد أن يتم إخضاع القاعدة؟ يصر الشيخ على أن ذلك لن يحدث، ويقول: quot;سوف نقول للمتمردين: نحن القبائل سوف نعثر على حل مع الأميركيين والحكومة العراقية. وإذا ما قمتم بمقاتلة الأميركيين، فإن مشاكلنا سوف تعودquot;.

مما لا شك فيه أن دعم الزعماء القبليين ينطوي على الكثير من المجازفة. لكن معظمهم يبدون وأنهم يقاتلون من أجل البقاء، وليس لمجرد مساعدة الأميركيين. فهم يعرفون المناخ المحلي ويريدون أن يجعلوا من مناطقهم أكثر أمناً. وإذا ما كان هدف الولايات المتحدة هو كسر شوكة القاعدة وتدجين الصدّاميين، فإن الحاجة تلح إلى مساعدة العراقيين أنفسهم في ذلك في وقت ما تزال فيه القوات الأمنية العراقية غير قادرة على النهوض بالمهمة. وهو ما يعني أن من الضروري تشجيع نشاط القبائل في هذا الصدد.