يهودا بن مئير - هآرتس


قبل نحو سنة وربع أُقيمت حكومة حماس. أعلنت اسرائيل أنها ستقاطع الحكومة لانها تري حماس منظمة ارهابية. وكان ما فاجأ الكثيرين أن الولايات المتحدة، واوروبا والرباعية الدولية (التي تشتمل ايضا علي ممثل الامم المتحدة وعلي روسيا) انضمت الي المقاطعة.
أوضحت هذه الجهات، أنه رغم فوز حماس في الانتخابات، فان الحكومة ما لم تعترف باسرائيل، وتتحلل من الارهاب وتقبل جميع الاتفاقات التي وقعت بين السلطة الفلسطينية واسرائيل ـ فانها لن تعترف بها، ولن تُقيم علاقات بها ولن تحوّل اليها اموالا.
سارع المحللون، والعاملون في البث والصحافيون الي تبشير شعب اسرائيل بأن القطيعة الدولية لن تثبت. بل لقد تناولوا باحتقار سذاجة حكومة اسرائيل، التي توهم نفسها ان القطيعة ستثبت طويلا. أذكر رد مقدمة الأخبار في احدي قنوات التلفاز التجارية، التي نبّهت بغمزة وبتعبير مترفع المراسل الذي أبلغها عن موقف الرباعية قائلة: سنري كم يوما سيثبت هذا . وجد غير قليل من الخبراء والساسة حثوا الحكومة علي محادثة حماس، وإلا فان اسرائيل ستظل معزولة، لان انهيار القطيعة الدولية لحكومة حماس مسألة وقت فقط.
أُنظروا مبلغ العجب. رغم جميع التنبؤات والنبوءات لـ العارِفين ، حدث العكس. ثبتت القطيعة. مع اقامة حكومة الوحدة الفلسطينية، استبشر هؤلاء المحللون والصحافيون. وحذروا من أن اسرائيل ستظل وحيدة، ربما مع الولايات المتحدة فقط، لكن سائر العالم سيجري للاعتراف بحكومة الوحدة. بل إن صحيفة مسائية أبلغت بعنوان عريض علي الصفحة الاولي كلها ان القطيعة الدولية انهارت . صحيح، اعترفت النرويج وجنوب افريقيا بحكومة الوحدة، لكن الاتحاد الاوروبي والأمين العام للامم المتحدة لم يمضيا في إثرهما.
رغم جميع التنبؤات السوداء وجميع الشكوك والتهكم، ثبتت القطيعة الدولية وما زالت تثبت الي هذا اليوم. واليوم، بعد احتلال غزة، أصبحت القطيعة الدولية لحكومة حماس (حكومة اسماعيل هنية) شبه تامة، بحيث انضمت مصر والاردن اليها ايضا.
والعِبرة من ذلك هي أن الصبر والتصميم يؤتيان أُكلاً احيانا. يجب علي اسرائيل الآن أن تواصل سياسة القطيعة هذه وعزل قطاع غزة، وبقوة أكبر. لا يجوز الاصغاء الي اليمين المتطرف، الذي لا يعرف سوي اقتراح الحرب بعد الحرب، والاحتلال بعد الاحتلال. ولا يجوز الاصغاء الي اليسار المتطرف، الذي لا يعرف سوي اقتراح تخلٍ بعد تخلٍ.
صحيح، السلام يُصنع مع الأعداء، لكن يجب صنع الحرب احيانا ايضا مع الأعداء. والحِكمة هي معرفة التفريق بين عدو وعدو.
يوجد بين الفلسطينيين من يريدون التوصل الي سلام معنا.
أعرف كثيرين كهؤلاء. يُمثلهم أبو مازن. تجب محادثتهم. الفروق بيننا كبيرة، لكن يجب علينا أن نبذل كل جهد للتقريب بينها. أما حماس، في مقابلة ذلك، فهي عدو عقائدي متطرف، وعدو ألد، وقاسٍ، وقاتل ومتعطش للدم.
لن تتخلي حماس عن عقيدتها الاسلامية المتطرفة، وأحد مركباتها المركزية معاداة مسمومة للسامية. لا حديث بيننا وبين حماس. تجب مقاطعة حماس وحكومتها في غزة، وعزلها، وفصلها عن العالم. تجب مناضلتها بتصميم ودأب.