جهاد الخازن

أشارك دول الخليج العربية قلقها من البرنامج النووي الإيراني، غير ان قلقي الأكبر على هذه الدول ليس مصدره إيران، بل الولايات المتحدة. ففي موضوع العلاقات الأميركية ndash; الإيرانية تبرز الولايات المتحدة كطرف عدواني معقدٍ، أي كما تبرز إيران في تعاملها مع دول الخليج.

التعامل الأميركي مع إيران يجافي كل منطق، فالموقف الرسمي المعلن لإدارة جورج بوش هو تغيير النظام في طهران، غير ان الإدارة الأميركية تريد إطاحة النظام ثم تريد منه ان يساعدها على laquo;النجاحraquo; في العراق.

الموقف الأميركي الأخير ليس صدفة، أو خروجاً على القاعدة، بل هو في أساس القاعدة. فتاريخ العلاقات بين البلدين كما نعرفه هو ان أميركا أيدت الانقلاب على حكومة مصدق الشرعية جداً سنة 1953، ووقفت إلى جانب النظام الديكتاتوري للشاه حتى سنة 1979 عندما قامت ثورة شعبية، من نوع نادر في الشرق الأوسط، أنهت حكمه. وأيدت الولايات المتحدة عراق صدام حسين ضد إيران في حرب 1980 ndash; 1988، وتغاضت عن استعمال القوات العراقية أسلحة كيماوية. وبعد 1991 وتحرير الكويت، طلعت الإدارة الأميركية بسياسة laquo;الاحتواء المزدوجraquo; للعراق وإيران، وذهب بيل كلينتون وجاء جورج بوش فَنَحَتَ عبارة laquo;محور الشرraquo; وضم إلى العراق وإيران كوريا الشمالية، وفرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على إيران مرتين لحملها على وقف تخصيب اليورانيوم، وهو يدرس فرض رزمة ثالثة من العقوبات عليها، وهذه العقوبات كلها أميركية لا دولية، فقد قادت حملتها إدارة بوش وضغطت على الحليف والخصم لإقرارها. ولا يزال المتطرف جون بولتون، المندوب الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة يطالب بحرب على إيران.

هذا هو التاريخ غير المتنازع عليه لتعامل الإدارات الأميركية مع إيران وصولاً إلى الإدارة الحالية، وهي الأسوأ لإيران والمنطقة كلها والسلام العالمي.

ماذا يقلق الولايات المتحدة في البرنامج النووي الإيراني حتى لو سلمنا بأنه ليس سلمياً، وإنما هدفه انتاج قنبلة نووية؟ إيران لا يمكن ان تهدد أمن الولايات المتحدة ولو امتلكت قنابل نووية وصواريخ عابرة للقارات، وأرفض ان أدخل في أي جدل يناقض هذه المسلّمة في المواجهة الأميركية ndash; الإيرانية الحالية، فكل الجدل المعارض الذي يصفح المنطق ويلغي العقل مصدره إسرائيل والاعتذاريون لها في الإدارة الأميركية وحولها.

عصابة الشر الإسرائيلية تحاول ان تجعل الولايات المتحدة وإسرائيل شيئاً واحداً في مواجهة العرب والمسلمين في الشرق الأوسط والعالم كله. غير ان الحقيقة غير هذا بل نقيضه، فالمصالح الأميركية والإسرائيلية لا تلتقي أبداً في الشرق الأوسط، بل إن إسرائيل تهدد كل مصلحة أميركية في الشرق الأوسط بسبب الالتزام الأميركي الكامل بدولة الجريمة على حساب الحق والحقيقة، ومبادئ العدالة الدولية، والأميركية خصوصاً.

إذا تناولنا العلاقات الأميركية ndash; الإيرانية من زاوية أخرى نجد ان أميركا فقدت نهائياً كل صدقية، وهي تخوض حرب إعلام أسود ضد طهران.

في الأسابيع الأخيرة فقط سمعنا مسؤولين في الإدارة الأميركية يزعمون ان الحرس الثوري الإيراني وقوات القدس تستعين بعضو في laquo;حزب اللهraquo; اللبناني لتدريب مقاتلين شيعة في إيران لمهاجمة القوات الأميركية في العراق. وأقول ان laquo;حزب اللهraquo; أصغر من ان يؤثر في حرب أطرافها الولايات المتحدة وإيران والشعب العراقي، وعنده في مواجهة إسرائيل ما يكفيه.

كذلك سمعنا ان المتفجرات التي تخترق الدروع وتستعملها المقاومة في العراق من صنع إيراني، وان صواريخ الكاتيوشا التي تسقط بين حين وآخر على المنطقة الخضراء في بغداد مستوردة من إيران، وأن هذه لعبت دوراً مباشراً في كانون الثاني (يناير) الماضي في قتل خمسة جنود أميركيين.

أقول ربما، وأزيد أن صعوبة تصديق الاتهامات الأميركية مردها ما نعرف جميعاً من ان عصابة الحرب في واشنطن تمهد لمواجهة عسكرية مع إيران خدمة لإسرائيل. ومثل واحد يكفي، فرئيس عصابة الحرب ديك تشيني مهّد لكل ما سبق بالإعلان أن إيران أرسلت سلاحاً إلى طالبان في أفغانستان. غير ان وزير الدفاع روبرت غيتس والجنرال دان ماكنيل، قائد قوات حلف الناتو في أفغانستان، أنكرا مزاعم نائب الرئيس، فهما يعرفان جيداً انه يقود عصابة حرب هو فيها لبناء امبراطورية أميركية تحكم العالم، وأنصار إسرائيل فيها لحماية أمنها بتدمير الدول العربية والمسلمة في المنطقة وخارجها. لماذا يكذب نائب الرئيس بشهادة كبار المسؤولين عليه؟ يكذب لأنه يخطط لحرب.

ليس هذا رأيي وحدي. فمستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبغنيو بريجنسكي (1977 ndash;1980) حذّر في اجتماع قرب نهاية أيار (مايو) الماضي من ان اتهام إيران بعلاقة مع القاعدة هدفه تبرير توجيه الإدارة الأميركية ضربة عسكرية إلى إيران إذا نظمت القاعدة عملاً إرهابياً ضد هدف أميركي، خصوصاً إذا نجحت داخل الولايات المتحدة.

إذا صدق القارئ ان إيران الشيعية جداً وراء القاعدة السنية، فإنه قد يصدق أيضاً إعلان الإدارة الأميركية مرة بعد مرة ان إيران تدعم الشيعة في العراق لقتل السنّة، وأحياناً تدعم السنّة عبر القاعدة لقتل الشيعة، وأن سورية تدعم السنّة لقتل الشيعة، وأن إيران وسورية حليفتان في قتل السنّة والشيعة. أعرف أن إيران ماضية في برنامجها النووي بغض النظر عن أي اجتماع متفق عليه مع الدكتور محمد البرادعي ووكالة الطاقة الذرية الدولية، كالاجتماع الأخير، ولكن أقول ان هناك عصابة حرب داخل الإدارة الأميركية تكذب كما تتنفس، وهي تدفع نحو حرب مع إيران التي لا تهدد أميركا بشيء وإنما تهدد جاراتها العربيات، وهذه تواجه أطماع الطرفين، إلاّ أن أطماع كل طرف تعكس حجمه وقدراته، ما يعني أن أطماع الولايات المتحدة في الخليج وخطرها عليه أضعاف ما عند إيران.