حسن مدن

يرى خورخي أمادو، الروائي البرازيلي، أنه لا يجد بين رواياته ما يعده سيرة ذاتية، لكنه يؤكد أيضاً أنه لا يستطيع الكتابة إلا انطلاقاً من تجربة شخصية.جاء هذا القول في إطار حديث عن منابع أو مصادر الكتابة الإبداعية عند عدد من الروائيين، يقدم مفاتيح مهمة للإجابة عن السؤال الذي يشغل الكثير من النقاد والقراء: كيف يكتب الكاتب؟ أو من أين تأتيه الأفكار؟ ومع أن البحث هنا تركز على الرواية، إلا أنه يمكن تعميم بعض خلاصاته واستنتاجاته لتشمل أجناساً كتابية وإبداعية أخرى.

وفيه نطالع آراء مثيرة للتأمل والتفكر. بينها مثلاً رأي جراهام جرين في الدافع إلى الكتابة، الذي يرى أن اليأس وحده هو ما يدفعه إلى الكتابة، وهو رأي قد يفاجئ الكثيرين الذين يرون أن رغبة الكاتب في تقديم خدمة أو معرفة للناس والمجتمع هي دافعه إلى الكتابة على نحو ما يذهب أمادو وجابرييل ماركيز.

وماركيز هذا الذي يوافق على أن للأدب وظيفة اجتماعية هو نفسه الذي يعلي من شأن الخيال في الكتابة، ملاحظاً أن سبر أغوار الواقع من دون أحكام مسبقة يبسط أمام الرواية بانوراما رائعة، لأن الواقع نفسه ينطوي على مقدار هائل من التفاصيل التي تبدو أقرب إلى الخيال.

وقريباً من موضوع السيرة الذاتية تبرز مسألة الذكريات، بصفتها مصدراً أو ينبوعاً لا ينضب للكتابة. هذا ما يراه الروائي ldquo;نيرمان ميللرrdquo; الذي يؤكد أهمية الذكريات التي يراها الأمر الوحيد الذي يجيد الروائيون الكتابة عنه، قائلاً إنه يفضل أن يتعامل مع الأحداث الحقيقية التي تشعره بالراحة.

الأمريكي أرسكين كالدويل قال: ldquo;بعد هذه السنوات لا أعرف كيف أجيب عن هذا السؤال.. إن أفضل طريقة لتعلم الكتابة هي الكتابة نفسهاrdquo;. كأنه يومئ إلى أن كل عمل جديد هو أفضل من سابقه. لكن جراهام جرين لا يرى هذا الرأي أبداً، ملاحظاً أن الكتابة لا تصبح أسهل بالمران أو التكرار.

في غمرة هذه الآراء يعطي ماركيز رأياً، يبدو أشبه بالخلاصة، عن رؤيته للرواية المثلى. ldquo;إنها -يقول الكاتب- رواية حرة حرية مطلقة، لا تقلق بمضمونها الاجتماعي والسياسي فحسب، وإنما تقلق بقدرتها على فهم الواقع وإظهاره على حقيقته من الوجه الآخرrdquo;.