محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

الخرافة في مجتمعاتنا، والإيمان بمعجزاتها وتصديقها، ليست وقفاً على الجهلة والأميين فحسب، وإنما يشترك في التصديق بها - للأسف - فئة من المتعلمين، والشباب منهم على وجه الخصوص، الذين يفترض أن يكون (تعليمهم) درعاً يحميهم من الإيمان بهذه الخزعبلات.

أتذكر أنني قبل أعوام كنت مع بعض الأصدقاء في رحلة صيد في صحراء (مالي)، قرب مدينة (تمبكتو) الشهيرة بتراثها وخرافاتها. زارنا أحد الماليين في مخيمنا، وعرض علينا خدمات (مشعوذ) بإمكانه - كما يقول الوسيط - أن يصنع (حرزاً) يقي مرتديه من القتل، حتى لو وجهت له رصاصة بندقية. سخرنا منه، وقال له أحد الأصدقاء: سأشتريه شريطة أن يلبس الحرز صاحبك، وسأقوم بوخزه بدبوس وليس بسكين، فإذا لم يتألم فسوف أشتريه بأي ثمن!. ثم علمت أن هذا المشعوذ يذهب إليه سعوديون - بعضهم على درجة من العلم - ليفك لهم ما توهموا أنه عمل قد عمل لهم!. ويقولون إن هذا المنجِّم المالي قد صمم - أيضاً - (دمبوشي) لأحد الأندية الرياضية، وكان هذا (الدمبوشي) السبب وراء انتصار هذا النادي على النادي المنافس كما يزعمون!. ويذكر أن أساطين الرياضة لدينا في الماضي كانوا يؤمنون إيماناً راسخاً بمثل هذه (الخرابيط)، ومأثورنا القريب يحكي الكثير من هذه القصص.

وتقول الدراسات التي أجريت في هذا الشأن إن المرأة بشكل عام، والمرأة الشرقية على وجه الخصوص، أكثر استعداداً لقبول الخرافة والشعوذة من الرجل، ففي دراسة أجريت بمصر - مثلاً - حول (السحر والمجتمع) تبين أن نسبة كبيرة من نساء عينة البحث يترددن على المشتغلين بالسحر والشعوذة. وتخلص الدراسة إلى أن المرأة المصرية لا تحس بأمان في زواجها، ولا في حياتها، الأمر الذي يجعلها تلجأ إلى المشتغلين بالشعوذة، كما جاء في الدراسة.

وليست الخرافات شراً كلها، فقد عرف اليونانيون القدامى (الخرافة الهادفة)، وهي في الغالب قصة مختلقة - خرافية - تهدف إلى ترسيخ قيم ومُثُل تربوية أو اجتماعية، وكان من أشهر روادها (أيسوبAESOP ) الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، وإليه ترجع أغلب القصص الخرافية التي ما زالت حية في الأدب الإنساني حتى اليوم، مثل قصة السباق بين (الأرنب والسلحفاة) التي تهدف إلى أن البطء مع المثابرة والصبر يفوز بالانتصار. أو (قصة الثعلب والعنب)، فعندما لم يطل الثعلب العنب حكم عليه بأنه حامض أو فاسد.

أو قصة (الذئب برداء الخروف) التي ارتدى فيها الذئب جلد خروف كي يتمكن من صيد الخراف، وعلى الرغم من ذلك، فإن الخرافة استقرت في أذهان الناس على أنها رديف الدجل.

وتقول الأرقام إن المصريين ينفقون أكثر من 10 مليارات جنيه (نحو 2 مليار دولار) على ثقافة الشعوذة، حسب دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة. وليس لدي شك أن السعوديين ومعهم الخليجيون، إذا أخذنا مستوى الدخل الفردي بالاعتبار، ينفقون أربعة أضعاف ما ينفقه اخواننا المصريون، أي 8 مليارات دولار، وهي - بالمناسبة - توازي تقريباً أرباح شركة عملاقة مثل شركة (سابك) مثلاً!! فالثقافة هي ذات الثقافة والفرق في الدخل لا في الإيمان بالدجل!