سامي ناصر خليفة
تعاقبت الكثير من الإدارات على حكم الولايات المتحدة، فكانت الواحدة أسوأ من الأخرى في ما يتعلق بمصالح العرب والمسلمين في المنطقة، ولكن لم تمر الشعوب في مواجهة إدارة أميركية بسوء الإدارة الحالية التي منذ تسلمها مقاليد الحكم هناك وهي تخرج من حرب في المنطقة لتدخل أخرى، فتكون النتيجة احتلالاً لأفغانستان والعراق وتدميراً للبنان وتهديداً بحرب جديدة ضد إيران، إضافة إلى تبنيها سياسة خبيثة تكمن في خلق المشاكل وإشعال الفتن بين الناس لإشغال بعضهم ببعض، فها هو لبنان يحارب نفسه من الداخل، وها هو العراق ينحر فيه البعض بعضه الآخر، وها هي فلسطين يقتل رفاق الدرب بعضهم بعضاً، وها هو الخليج يعج بالتناحر الفئوي والطائفي، وفي أفغانستان وباكستان وغيرها ما خفي أدهى وأمر.
وأمام تلك المعطيات يطل الرئيس الأميركي رأسه في المنطقة ليعلن عن أهدافه الشريرة، وهي ضمان وجود جبهة من laquo;الأصدقاءraquo; العرب لحماية إسرائيل، مهمتهم الرئيسة مواجهة دعاة الممانعة والمقاومة من بني جلدتهم نيابة عن أميركا نفسها مقابل وعد واهم هو صناعة laquo;السلامraquo;! وبتبرير تمسكه بقشة هي محمود عباس سمح لنفسه أن يضرب الشرعية الفلسطينية وكل خيارات الشعب الفلسطيني عرض الحائط ليوعد وعداً آخر، كسابقاته سيذهب أدراج الرياح، بدولة فلسطينية قبل نهاية هذا العام مقابل إغلاق ملفات القدس واللاجئين والمستوطنات والمياه لصالح حلفائه في تل أبيب.
وما هو أدهى وأمر في مخططات هذه الإدارة الأميركية الأسوأ، استخدامها لسلاح تشويه المفاهيم وقلب المصطلحات ليصبح الحق باطلاً والباطل حقاً، ففي فلسطين المحتلة بات الهدف اليوم هو إعادة خارطة الصراع من صراع بين المعتدي والمعتدى عليه ليتحول إلى صراع بين laquo;معتدلين عرب وصهاينةraquo; يبحثون عن السلام والاستقرار، وبين قوى تسميها أميركا laquo;إرهابيةraquo; وlaquo;ظلاميةraquo;! سلاح موجه لتشويه مفهوم المقاومة كخيار استراتيجي شرعي عربي وحيد وربطه بعناوين جانبية لا يتفق عليها الجميع، لتصبح مقاومة laquo;حماسraquo; laquo;تهوراًraquo; واستجداء محمود عباس laquo;عقلنةraquo;! ولتصبح مقاومة حزب الله laquo;مغامرةraquo;، وانفتاح الأنظمة العربية على الصهاينة laquo;اعتدال ورزانةraquo;! وليصبح خط الممانعة والصمود الذي تبنته إيران وسورية laquo;تهوراً وانتحاراًraquo;، وخط الخضوع والخنوع للمحتل الأجنبي laquo;واقعية وتبادل مصالحraquo;!
وما يؤسف أن يستسلم الإعلام العربي الخانع إلى تلك المفاهيم ليترجمها بحذافيرها، فدولة العدو الصهيوني المحتل تسمى بـ laquo;إسرائيلraquo;، وlaquo;حزب اللهraquo; يسمى laquo;تنظيما شيعيا مواليا لإيرانraquo;! والمؤامرة تحوّلت في الإعلام إلى laquo;نظريةraquo;، والاستسلام والرضوخ للعدو المحتل إلى laquo;سلام وتطبيعraquo;! وأصبح الاستشهاد في سبيل تحرير الوطن laquo;انتحاراًraquo;! وأعيد تسمية ثقافة الهزيمة التي جاءت بها اتفاقية كامب ديفيد بالاتفاقية المظلومةraquo;، بل ارتفعت وتيرة جمل لم نكن نسمعها سابقاً من المتسلقين على حبال المصلحة مع الإدارة الأميركية ولسان حالهم ينادي laquo;مللنا الحرب بالنيابة عن الآخرينraquo;! وغيرها من المفاهيم الأخرى المقلوبة والتي يراد منها بث روح الهزيمة واليأس وجعلها ثقافة مجتمعية مثبطة!
ومع سوء سريرة تلك الإدارة الشريرة ومكائدها، إلا أن الله سبحانه وتعالى بات لها بالمرصاد. فها هي دول ما تسميها أميركا بالـlaquo;الاعتدالraquo; بدأت تتمرد عليها شيئاً فشيئاً، وها هو تقرير فينوغراد يعلن انتصار جبهة المقاومة على العدو الصهيوني لتنكسر هيبة الردع لدى أسطورة جيش العدو المحتل، وها هي فلول المهرولين في ركبها من قوى 14 آذار في لبنان تعيش صدمة الفضائح التي تلاحقها، وها هي القوى التحررية التي وجدت ضالتها في الإدارة الأميركية باتت تعيد حساباتها من جديد لتفكر بلغة أخرى أمام استحقاق مرحلي جديد أسس له إمام المجاهدين السيد حسن نصرالله حين صرخ في أذهان العدو الصهيوني بكلمات مازالت تدوي مسامعهم منذ وقف العدوان قائلا: laquo;إن العدو لو قرر مستقبلاً ارتكاب حماقة أخرى، فإن المقاومة ستعده برد فعل يغيّر مسار المعركة ومصير المنطقة بأكملهاraquo;.
التعليقات