ريم عبيدات
مع التغير الطارئ على نشاطهم تسبح عيوننا دموعاً، ونشعر في حلوقنا بمرار واختناق يسد مداخل النفس والروح.
مع ذرات درجة الحرارة التي ترتفع في أبدانهم تقفز وتيرة الألم في نفوسنا حارقة ومؤلمة وجارحة، وتعتصر أرواحنا دفعة واحدة كحبة فاكهة ذابلة تغادرها مياه الحياة.
ترتفع حرارة رؤوسهم وأجسادهم، ومعها تتعلق عيوننا بميزان الحرارة، نعمل فيه محاولات متتالية لطمأنة قلوبنا المتعبة بأنها في انخفاض ولو يسيراً، نتهمه بالقدم مرة وخفوت البطارية مرة ثانية. لنكتشف معه ألوان الألم الى ما وراء شمس الحياة بأسرها.
نتأملهم وهم يرتجفون ويرتعشون وتخور قوى الروح دفعة واحدة لنطير متدافعين نحو قطع قماش جديدة نبللها ونعصرها بسرعة ومعها تعتصر عيوننا دموعا أسرع منها، في رحلة تجديد تبريدها تتجدد رحلة الخوف الشديد بين صحارى شعرة خيوط الدرجات الرفيعة للغاية وبين أجزاء الدرجة الواحدة. لحظة واحدة وتكر مسابح الذكريات بسرعة تعجزنا، ويعاود شريط عمرنا انسحابه الى نقطة بدايته دفعة واحدة، متوقفا عند محطات طفولة بعيدة ظننا انفسنا غادرناها وغادرتنا، لنفاجأ باختبائها في ياقات قمصاننا، وبيجاماتنا، فتختلط ذكرياتنا بألمهم القادم من أعماق طفولتنا المؤجلة القابعة والمؤجلة والمتفلتة بامتياز، ونعجز عن عزل ملامحنا عنهم في لعبة سينمائية خاطفة لكنها حقيقية جدا هذه المرة.
يتحجر النوم خارجا تماما من ردهاتنا الداخلية او الخارجية، ويفر هاربا دون مقاومة تذكر، فكيف السبيل إليه والقلب حار ولاهب ومتعب وخائر، وإذا ما مر طيفه جراء سهر مضن وليال تمتد ساعاتها أطول من دهورنا نسارع لطرد طيفه ليعاود زيارته حين يأذنون.
ومع تباشير انخفاضها تعاود شموس حياتنا الى شروقها من جديد، وتنتصب عروقنا لتندفع دماؤنا جريا فيها، بعد إغفاءة متعبة دامت مع دوام ارتجافهم وحمرة وجوههم الحزينة هذه المرة، نسارع الى فتح ابوابنا ونوافذنا الداخلية، نحتفي فرحا مع كافة أغصان حدائقنا التي تسارعنا للانفلات راكضة وراقصة.
ومع تعافيهم التام تعاود أوراق الاشجار التي جفت اخضرارها وشبابها وانتصابها نحو جميع بقع النهار... ويتعافى معهم تاريخ مختبئ بين أرفف مكتبة الذاكرة، ونطير الدنيا بهم ومن أجلهم يعلمونا من جديد درس الحياة الكبير.
التعليقات