سيرج ساركيسيان - لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست

باعتبارها بلداً ينعم بالاستقرار والديمقراطية في منطقة مضطربة، تلقت أرمينيا ضربةً قوية مؤخراً تطال سمعتها. فعلى الرغم من أن المراقبين الدوليين أعربوا عن رأي إيجابي عموماً بخصوص سير عملية الانتخابات الرئاسية الشهر المنصرم، فإن قوى المعارضة خرجت إلى الشارع، وسعت إلى تغيير إرادة الشعب. وأسفرت أعمال الشغب والمظاهرات المسلحة عن إصابة ما يزيد على 100 شخص، كما لقي سبعة متظاهرين وشرطي حتفهم للأسف.

ونتيجة لذلك، نقص إيمان الجمهور في مؤسساتنا الاقتصادية والسياسية وتقوض. فقد كانت لدينا انتخابات تنافسية، ولكن إلقاء هذه الأزمة في الشارع لم يؤدِّ إلا إلى إلحاق مزيد من الضرر بأرمينيا. فعلى مدى عقد من الزمن تقريباً -منذ أن استقال الرئيس السابق ليفون تير بيتروسيان - نجح اقتصادنا الوطني في تجنب الاضطرابات المدنية والعنف المسلح، وهو ما سمح بفترة من التقدم الديمقراطي والسوسيواقتصادي باعتراف دولي.

غير أنه بعد أن خسر محاولة استرجاع منصب الرئاسة في فبراير، لجأ quot;ليفون تير بيتروسيانquot; إلى شكل خطير وغير ديمقراطي من أشكال الشعبوية؛ حيث قام بتهييج جزء من المعارضة ودفعه إلى التشدد، ثم قاده في مواجهة مع الدولة، وهو ما أفضى إلى أعمال الشغب التي اندلعت في الأول من شهر مارس الجاري، والتي دخل فيها متظاهرون مسلحون في اشتباكات مع قوات الشرطة. وكان واضحاً بالنسبة لجميع القوى السياسية المعتدلة - سواء الموالية للحكومة أو مؤيدي المعارضة- أن إعلان حالة الطوارئ هو الخيار الممكن الوحيد لحماية مواطنينا. اليوم لدينا فسحة حتى يوم غد الخميس، وهو تاريخ رفع حالة الطوارئ، من أجل إيجاد حل سياسي وضمان عدم انزلاق أرمينيا مرة أخرى إلى الفوضى.
فقد كنتُ وquot;تير بيتروسيانquot; خصمين متنافسين في الانتخابات الرئاسية، غير أننا متحدان في الرغبة في إنهاء الأزمة الحالية ووضع أرمينيا مرة أخرى على المسار الصحيح. ولذلك أقول إن التعاون هو السبيل الوحيد للتقدم إلى الأمام.

إن الائتلاف السياسي الذي أنشأناه بين الرئيس المنتخب وquot;حزب حكم القانونquot; يمثل محاولةً للقيام بالأشياء بشكل ديمقراطي وعبر التوافق، ذلك أن الاثنين يمثلان 70 في المئة من أصوات الشعب الأرميني، وهو ما يعد تفويضاً صلباً وقوياً. وعلى هذا الأساس، فإننا نعتزم القيام بإصلاحات طموحة، وواقعية في الآن نفسه، من شأنها تعزيز وتمتين ديمقراطيتنا وتحقيق التقدم السوسيواقتصادي لأمتنا. فقد اتفقنا في لحظة الأزمة هذه على تحمل مسؤولية حكمٍ مشترك.
وشكل الحكم هذا لم يُفرض على أرمينيا من أي جهة، وإنما اخترناه باعتباره السبيل الأفضل للتقدم، وذلك على اعتبار أن هذا الائتلاف الكبير والجديد يضمن احترام وترجمة إرادة الشعب.

بيد أننا نشدد على أن مواصلة التقدم لا تتم إلا عبر الحوار والإصلاح. أما العنف، فلا مكان له في ديمقراطيتنا. وبالتالي، فإننا ندعو أولئك الذين مازالوا يروجون لزعزعة الاستقرار في الشارع ويشجعون عليها إلى الانضمام إلينا في الحوار السياسي ومساعدتنا على السير ببلدنا نحو الرخاء والرفاهية.

أرمينيا تواجه سلسلة من التحديات الخارجية التي نأمل أن ننجح في مواجهتها، وفي مقدمتها النزاع الطويل بين بلدنا وأذريبجان حول من ينبغي أن يتحكم في منطقة ناجورنو كاراباخ، وثانيها تطبيع العلاقات مع تركيا. كل هذه المشكلات لا يمكن حلها إلا بواسطة حكومة تتمتع بدعم شعبي واسع، وليس حكومة تُخلق من خلال مظاهرات الشارع. كما نعتزم مواصلة سعينا إلى الحصول على اعتراف المجتمع الدولي بالمذبحة الأرمينية، على أنه لا ينبغي لهذا الموضوع أن يمنعنا من التقدم إلى الأمام.
لا نزعم أن كل معضلات بلدنا ستجد طريقها إلى الحل من خلال حكومة ائتلافية، ولكن الأكيد أننا سنتناول توقعات آلاف الناخبين غير الراضين، ذلك أننا مطالَبون بذلك في سبيل حشد الإجماع. لكن يتعين علينا في الوقت نفسه الاعتراف بتوقعات وانتظارات آلاف الناخبين الآخرين الأكثر عدداً الذين اختاروا الحكومة التي في السلطة. ولذلك سنبذل قصارى جهودنا من أجل استرجاع ثقة الشعب في العملية الانتخابية وتوحيد الأمة.
أولويتنا تتمثل في إدارة حكومةٍ شفافة ووضعِ أجندة واضحة سيتم الإعلان عنها، كما سنقوم بمحاربة الإرهاب بلا هوادة. ونحن واثقون أنه بمساعدة من العالم، سينتصر العقل والمسؤولية في أرمينيا. ليس لدينا وقت لنضيعه، ذلك أن الكثير من العمل ينتظرنا. وعلى الرغم من الأحداث الأخيرة، فإن بلدنا مازال يتقدم إلى الأمام. والواقع أن لدى المجتمع الدولي الكثير ليكسبه من خلال دعمِ حكومةٍ منتخبة وشفافة ومستقرة.