جون بولتون - لوس أنجلوس تايمز، واشنطن بوست

في الثاني والعشرين من شهر مارس الماضي وفي تعبير واضح عن التزامهم بنظام سياسي حر ومنفتح، صوت المواطنون التايوانيون بأغلبية ساحقة لصالح quot;ما ينج- جوquot;، مرشح quot;الحزب القوميquot; كرئيس جديد للبلاد. وبنسبة مشاركة وصلت 76% من الناخبين، تمكن quot;ما ينجquot; من إلحاق الهزيمة بمرشح quot;حزب الشعب الديمقراطيquot; بنسبة أصوات بلغت 58% مقابل 42% لمنافسه. والحقيقة أن هذه الانتخابات تمثل ثاني انتقال سلمي للسلطة تنجزه تايوان بنجاح عبر انتخابات وطنية حرة ونزيهة، بعد الانتقال الأولي الذي جرى عام 2000 وتمكن فيه الرئيس المنتهية ولايته quot;تشين تشوي-بيانquot;، المنتمي إلى quot;حزب الشعب الديمقراطيquot;، من دحر القوميين الذين تشبثوا بحكم الحزب الواحد طيلة نصف قرن من الزمن. واللافت في هذه الانتخابات أن العديد من المراقبين الغربيين أساؤوا فهم الانتصار الذي حققه quot;ما ينجquot;، لاسيما بعد فوز quot;الحزب القوميquot; في الانتخابات التشريعية.

ولتوضيح الأمر لا بد من التذكير بأن صعود quot;الحزب القوميquot; إلى سدة الرئاسة، لا يعني الانتقال من المطالبة بانفصال تايوان إلى التخلي عن حلم الاستقلال التام، مقابل الدعوة إلى الاندماج مع الوطن الأم (الصين). فالحقيقة عكس ذلك تماماً، إذ رغم الأمل الذي يحدو بعض القوميين في إتمام الوحدة مع الصين، تظل الحياة السياسية في تايوان بالغة التعقيد وأكبر من أن تحيط بتفاصيلها التقسيمات المبسطة التي تظهر أحياناً في التقارير الغربية. فعلى مدى العقود الماضية، شهدت تايوان استقراراً ملحوظاً في حياتها السياسية، إذ في خضم الخيارات المطروحة أمامها والتي تتراوح بين الانفصال والاندماج والاحتفاظ بالوضع الراهن، اختار التايوانيون الوضع الراهن على الأقل في المستقبل المنظور. ولا يعني الإبقاء على الوضع الراهن سوى الإقرار بأن الجزيرة هي فعلاً دولة تتوفر فيها جميع الشروط والمعايير التي ينص عليها القانون الدولي: وجود حكومة مسؤولة وأراض محددة، فضلاً عن سكان مستقرين.

ودلالة على خيار التايوانيين، أظهر استطلاع للرأي أجري عام 2007 من قبل quot;مجلس الشؤون الداخليةquot; في العاصمة quot;تايبيهquot; أن 81.5 % من المستجوبين يؤيدون بقاء الوضع الراهن في تايوان، مفضلين تأجيل مسألة الحسم في الاستقلال أو الانضمام للصين، إلى وقت لاحق. ولم يبدِ سوى 10.2 % من المستجوبين رغبتهم في الاستقلال العاجل، بينما قال 2.2% إنهم مع الاندماج في أقرب فرصة مع الصين. لكن وبالتزامن مع هذا الخيار، يعارض جميع التايوانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية، العزلة الدولية لبلادهم والمحاولات المستمرة التي تقوم بها الصين لتعميق هذه العزلة، لاسيما تلك الجهود التي تخير الدول بين إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين أو تايوان. ويخشى التايوانيون من أنه إذا حققت السياسة الصينية غرضها في عزل بلادهم، فإن بكين لن تواجه أي معارضة دولية في مواصلتها السيطرة على الجزيرة عبر ابتلاعها كلياً ضمن نسيج الدولة الصينية. وبالرجوع إلى الرئيس الفائز quot;ما ينجquot; نجده قد ركز في حملته الانتخابية على الاقتصاد التايواني الذي رغم نموه بنسبة 5.7%، يبقى بطيئاً بالمقارنة مع الاقتصاديات الآسيوية الأخرى في المنطقة. وفي هذا السياق يتخوف التايوانيون من أن يكون ذلك بسبب الخلاف مع بكين الذي حال دون استفادة بلدهم من التوسع الاقتصادي الكبير الذي تعرفه الصين.

ويدرك التايوانيون أن أي ضعف اقتصادي يشكل خطراً كبيراً على بلادهم، لأن الاقتصاد الناجح هو أساس الوضع السياسي المتميز الذي تحظى به في العالم. فالمستثمرون والمدراء والعمال التايوانيون يعتمدون بشكل متزايد على الصين لتأمين المنشآت الضرورية للإنتاج والتوزيع، رغم لجوئهم إلى السرية والطرق الملتوية لتفادي مراقبة الحكومة في تايبيه. لذا فالسؤال ليس فيما إذا كان التقارب الاقتصادي بين الصين وتايوان سيحدث أم لا، بل السؤال هو ما إذا كان هذا التقارب سيبقى في الخفاء أم سيخرج إلى العلن. وهذا هو التغيير الذي وعد quot;ما ينجquot; بتحقيقه فور تقلده لمنصب الرئاسة. فالدعم القوي الذي يبديه quot;ما ينجquot; للتقارب الاقتصادي مع الصين وتمتينه أكثر، يعكس إدراكه الصحيح بأن ذلك سيعود بالنفع على الاقتصاد التايواني نفسه. والأكثر من ذلك أنه بتوثيق العلاقات الاقتصادية بين الصين وتايوان، سيخفف quot;ما ينجquot; من لهجة بلاده المناهضة للصين، لكن ليس، كما يعتقد بعض الغربيين خطأ، بهدف تمهيد الطريق للاتحاد مع الصين، بل لدعم اقتصاد تايوان الذي يدرك جيداً بأنه سيكون ورقة سياسية قوية في أي مفاوضات لاحقة مع الصين. والواقع أنه لا يمكن الاختلاف أبداً مع هذا المنطق، ذلك أن تايوان ضعيفة اقتصادياً لن تكون في موقع يؤهلها للتفاوض مع العملاق الصيني.

وفي هذا السياق يتعين على الولايات المتحدة دعم هذا التوجه والوقوف إلى جانب تايوان في خيار التقارب مع الصين. ولعل أوضح تعبير على هذا الدعم الذي يتعين على واشنطن الإسراع في مباشرته، هو إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الدولة الموجودة فعلاً على أرض الواقع. فالحفاظ على علاقات غامضة وغير رسمية مع تايوان، ينطوي على خطورة كبيرة لأنه لا يوضح لبكين حقيقة الالتزام الأميركي بالدفاع عن تايوان وضمان حق تقرير مصيرها. فالاعتراف الأميركي الواضح بدولة تايوان سيجلب الاستقرار للمنطقة ويبدد الغموض، مقللاً بذلك من احتمالات إساءة فهم بكين للموقف الأميركي والإقدام على مغامرة غير محسوبة.