الجمال حين يتحوّل الى نقمة!

بيروت - نوال نصر

أُطّرت صوره بالأسود ووُضعت قصته تحت المجهر، ثم بدأت تُحاك حوله قصص تكاد تليق بها تسمية: قصص laquo;ألف ليلة وليلةraquo;! هكذا هم الناس، يحبون نسج الأخبار وتلفيق التفاصيل وحين يملّون ينسون أصل القصة وفصولها!

عارض الأزياء سامر الياس شكّل طوال أسبوعين حديث الساعة، فقد كان شاباً جذاباً، الشهرة طموحه، والحياة لا تسعه وطالما وجدت الأحلام مرتعها في خيالاته فجادت. فجأة، ذات فجر مضى، انتهت حكاية سامر وبدأت قصة المنشّطات الرياضية التي أفرط في تناولها حتى فتكت به!

ماذا حدث مع سامر، وماذا قد يحدث مع غيره، وكم من شباب، في عمره وأقل، يقضون laquo;بصمتraquo;، بلا جلبة، والسبب: المنشّطات الرياضية؟

تفاصيل قد تنفع من لا يبالي إلا بعضلات وأشكال...

هو من بلدة سورية نائية: القامشلي، أتى الى لبنان ليعمل ويجني مالاً فكان له ما أراد. كان سيجني بعد الكثير لولا... الموت! ربما نقول: laquo;هذا قدرهraquo;، لكن ألا يساهم المرء أحياناً في رسم القدر؟ معارفه، أصدقاؤه، أحباؤه، لم يستفيقوا بعد من وقع الصدمة. غادة بليق، هنادي سالم، باميلا بربر، جان بدوي... عبروا عن اشتياقهم له على صفحاتهم الإلكترونية. كتبت هنادي: laquo;سامر إنتا الضحكة فينا بالعمر اللي جايي وبتبقى أحلى حكايةraquo;. أما باميلا فقالت: laquo;هي الحياة لحظة نعيشها وكم هائل من الذكريات. نخبة تبقى وكثيرة هي المغادرة، فأهلاً بك يا نخبة الذكريات، يا نخبة اللحظات، يا نخبة الحياةraquo;... غادة أستاذة اللغة الإنكليزية في laquo;أميركان سنترraquo; لا تنفك تتحسر على التلميذ سامر. ذكرت: laquo;علمته سنة. كان جدياً ويطمح إلى تحسين ثقافته ولغته. كان يمزح، يحب الحياة، ويوزّع قطع الشوكولا علينا. كان طفلاً كبيراً. قرأت خبر وجوده في الغيبوبة laquo;الكوماraquo; على غلاف مجلة. اعتقدته كذبة. لم أصدق. كان مفعماً بالحياة!raquo;.

يأبى صديقه جان بدوي إدراجه على لائحة الأموات: laquo;من سامر لكل شخص أحبّه ما تصدقوا ما رحت، بعدني ورح ضلّraquo;. صعب على الأصدقاء اكتشاف رحيل صديق. تحدّث جان عن سامر: laquo;تعرفت إليه قبل أربعة أعوام. أخبرني كيف التقى بنانسي عجرم في مطعم كان يعمل نادلاً فيه. كانت مع جيجي لامارا، وقالت له يومها: أريد تصوير كليب laquo;بدي ياكraquo; معك. سأل صاحب المطعم فقال له: إذا ذهبت تخسر عملك. لم يبالِ وذهب. لبّ نداء حلمهraquo;.

تابع جان: laquo;تعرفت إليه خلال التصوير بصفتي مديراً فنياً لإعلانات الفيديو كليب واشتدت صداقتنا. بعد الكليب تعرف إلى نضال بشراوي واشتغل معه نحو سنتين أو ثلاث سنوات، وشارك في إعلانات لدول الخليج عن الاتصالات والحساء ودواء الحرقة، وكان وجهاً إعلانياً لماركة laquo;أنجين جينزraquo;. طلبته لاحقاً نوال الزغبي في كليب laquo;قلبي اسألهraquo; وتعرّف حينها إلى المخرج يحيى سعاده. كذلك شارك في كليب مع جاد شويري ومع نسرين زريق. سافر الى تركيا وصوّر في تايلند ومن عرفه حينها يعرف مدى سعادته فطالما ردّد laquo;أصبح لي اسماً!raquo;. غرّته الشهرة كثيراًraquo;.

أن يعتلي شاب سلّم الشهرة عبر مهنة عرض الأزياء، فهذا يجعله أكيد يعشق جسده ويفعل المستحيل لتطويره. فماذا حصل مع سامر الياس؟ هل أخطأ في التعامل مع جسده، أم هل ثمة من أخطأ معه؟

انتقل سامر منذ فترة للسكن مع صديق له هو المخرج محمود المقداد، كون أهله في القامشلي وهو وحيد في لبنان، وليلة الميلاد، قال جان بدوي: laquo;كنا نسهر كلنا معاً ولم يكن يبدو على سامر أي توعّك، لكن في صبيحة اليوم التالي، 25 ديسمبر، أراد سامر أن يتناول باكراً منقوشة بالزعتر. كان يحب الزعتر بالزيت. تركناه. ذهبت إلى عملي وذهب محمود بدوره إلى عمله، ونحو الساعة التاسعة والنصف اتصل سامر بمحمود ليقول له: رأسي يؤلمني جداً... عاد محمود ونقله بمساعدة أصدقاء الى المستشفى في حال يُرثى لها. عاينه د. شوقي نهرا وكان في شبه غيبوبة. أعطوه المنوّم فنام ولم يستيقظraquo;...

أخبار كثيرة سرت، عن غلطة المستشفى في إعطاء سامر المنوّم وعن غلطة سامر في تناول كمية كبيرة من الإستيرويد لبناء عضلات بسرعة. وذهبت الخبريات أبعد من هذا لتقول إن المستشفى كتبت في تقريرها: مات بجرعة مفرطة. جرعة ماذا؟ دارت الشائعات! لكن ألم يكن أصدقاء سامر يعرفون أنه يأخذ أدوية تضرّ؟ ألم ينصحوه بالتوقّف؟

يتكلّم أصدقاء سامر عن مدى إعجابه بجسده ورغبته في أن يكون laquo;هوليووديraquo; المظهر. أراد أن يستحق لقب laquo;ستارraquo;. واللغة الإنكليزية التي كان يصرّ على تعلّمها كانت تكملة لبناء جسده وتحقيق طموحه. علم معارفه أنه يأخذ أدوية هورمونية تعمل على فتح العضلات، ثم يستخدم حقن أنسولين تعمل على تضخيمها ويشرب بعدها كوب ماء وسكر ويأكل أحياناً أكثر من كيلوغرام بقلاوة لإحساسه بالحاجة الماسة إلى السكر. laquo;أخطأ. نصحناه أن يتوقفraquo;، قال جان، laquo;لكنه لم يستجب. أراد أن يعزّز عضلاته بسرعة ليكون مميزاً في الكليب الثاني الذي طلبته إليه نانسي عجرم. كان يردّد فرحاً: نانسي طلبتني ثانيةً. كان سعيداً جداً. زاد جرعات المنشّطات التي تبني العضلات، علماً أنه لا يدخن ولا يشرب الكحول. غرّت الشهرة والجسد الجميل سامرraquo;.

مات سامر بجرعة إضافية من المنشّطات الرياضية! ومعارفه غنّوا له في وداعه أغنية وضعوا كلماتها وسجّلوها في 24 ساعة: laquo;لو بعرف رح تختفي كنت بحالي بكتفيraquo; وسط كمّ من الدموع والألم والحزن...

هل ثمة من يشرح ماذا قد يحصل مع الشباب الذين يأخذون منشّطات رياضية وعددهم إلى تزايد، وهل يأخذ الشباب فعلاً إسترويد مخصصاً للحيوانات؟ وكيف تعمل الهورمونات البديلة في أجسامهم؟

المحاضر المعتمد من الكلية الأميركية لطب الرياضة، الاختصاصي عزمي عماد، على عتبة السبعين وما زال يدرّب من يقصده من الرياضيين وسواهم. قال في شأن بناء العضلات بسرعة: laquo;يعتمد من يريد بناء عضلات بسرعة على المنشطات الاصطناعية التي لها مضار وتباع في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في السوق السوداء، أما في لبنان فقد تكون في كل مكان: في الصيدليات، في النوادي، في السوق السوداء. والمنشّطات هذه كناية عن هورمونات اصطناعية تساهم في تدنّي هورمونات الغدة النخامية المسؤولة عادة عن تحفيز الخصية على إنتاج هورمون التيستوستيرون، كون الدماغ يأمر الخصية حين يشعر بكميات كافية من هذا الهورمون في الجسم، من دون أن يميز طبعاً أنه هورمون اصطناعي، بإيقاف إنتاج الهورمون الطبيعي فيتوقف بذلك عمل الخصية ويصبح شكل حلمة صدر الشاب الذي ينشد بناء العضلات بسرعة كشكل حلمة الأنثى، مكوّزة، وينحف صوته تدريجاً، وينبت لديه شعر في الأماكن التي ينبت فيها الشعر لدى الفتيات. الأنثى التي تأخذ بدورها هورمونات بناء العضلات الذكورية يتخن صوتها ويتضخم حجم البظر لديها وتتأثر عادتها الشهرية وتظهر لديها، في اختصار، الصفات الذكورية. الشباب يتحوّلون إذاً الى أشباه فتيات والفتيات الى أشباه شباب!

الإستيرويد الذي قيل إن سامر الياس كان يحقن نفسه به، بحسب عماد، هورمون يصفه الطبيب عادة في بعض الحالات السرطانية وحين يعاني طفل ما من تدنٍّ في النمو، وثمة إستيرويد مصنوع لاستخدام الإنسان وآخر مصنوع لاستخدام الحيوان ولا سيما البقر، ويبقى في الجسم مدة تتراوح بين ستة أشهر وسنة بعد تناوله، ما يعني أنه حين نأكل لحم بقر قد نحصل من خلاله، شئنا أم أبينا، على كمية ما من هذا النوع من الإستيرويد! بحسب عزمي عماد laquo;ينصح بعض النوادي المنتسبين إليه بتناول الإستيرويد لبناء عضلاتهم بسرعة، ويبيعه إليهم بأسعار بخسة لا تقارن مع سعر الإستيرويد الحقيقي الذي يباع في الصيدليات، ما يؤكد أن الشباب يحصلون على إستيرويد حيواني!

ماذا يحصل حين يتناول المرء الإستيرويد؟ يجيب الاختصاصي في الطب الرياضي عزمي عماد: laquo;يتاثر الكبد وقد يتشمّع، وترتفع نسبة الكولسترول في الجسم ويزيد حب الشباب وتكبر البروستات لدى الرجل ويرتفع ضغط الدم وتزيد مشاكل الدورة الشهرية لدى الأنثى وتتأثر الكلى وقد يتسبب هذا الهورمون بفقدان الرجل القدرة على الإنجابraquo;.

باستطاعة الأهل أن يعرفوا من يتعاطى من أولادهم الإستيرويد من الشكل وضخامة العضلات ومن الغضب العدواني الذي يجتاح من يحقن نفسه به... ماذا عن الإنسولين الذي يؤخذ عادة بعد تناول الهورمون؟ يجيب عماد: laquo;إنه سيف ذو حدين، فهو يأخذ الطاقة من الجسم ويعود ويعطيها له مجدداً لإمداده بالقوة، ومشكلتنا أنه إذا وضعنا كمية كبيرة من الإنسولين بهدف تضخيم العضلات ولم تستخدم، يأمر العقل الجسم بطلب الطعام بكميات كبيرة، وإذا لم يُصار الى تلبية النداء يتدنى السكر وترتجف الأعصاب ويشعر المرء بدوار ولا يعود قادراً على الحراك والكلام وقد يدخل المرء في غيبوبة... هذه العوارض كلها حصلت مع سامر وقد يكون تضافرها مع أسباب أخرى أدت مجتمعة الى موته!}.

بعيداً عن الهورمونات والإنسولين نسأل: ماذا عن المتمّمات الطبيعية؟ هي، في حد ذاتها، لا تؤذي والإكثار منها لا يفيد، بل تكون لها مؤثرات سلبية نتيجة تراكم البروتينات في الكلى، وما يفترض أن يعرفه كل من يطمح الى تناول هكذا متمّمات أن جسم الإنسان لا يحتاج الى أكثر من غرامي بروتيين لكل كيلوغرام منه.

يساهم الطعام الغني بالمكونات الطبيعية والرياضة في بناء العضلات، لكن من ينشد عضلات سريعة، كما فعل سامر، لا بدّ من أن يتوجه إلى الهورمونات الاصطناعية! فهل صحيح أن النوادي الرياضية تساهم في إرساء هاجس الجسد الضخم لدى المراهقين وتعمد إلى تقديم الحقن الهورمونية إليهم؟

مدرّب كمال الأجسام في نادي laquo;بوداraquo; داني زغيب استغرب هذا الكلام كله عن الهورمونات والمتممات قائلاً: laquo;نحن لا ننصح بالهورمون، لكن البروتيين ضروري بمعدل غرام بروتيين لكل باوند في الجسم، وأجزم بأن أي laquo;موديلraquo; غير قادر على الوصول إلى المنصّة إذا لم يأخذ الإستيرويد. فليذهب من يتهم النوادي إلى الصيدليات ليعرف أن الخطأ ليس حيث يشير! نفسيات الشباب تبدلت بين الأمس واليوم. يريدون بناء عضلاتهم بسرعة قياسية وعبثاً نحاول إقناعهم بأن البناء، بناء العضلات كما بناء مبنى أو شركة، يحتاج إلى وقت وجهد لتكون الأساسات صلبةraquo;.

أخطأ سامر الياس. شباب كثر فريسة كمال الأجسام. يريدون حرق الوقت والحصول على كل شيء بسرعة قياسية من دون أن يعيروا أي اهتمام الى ذيول ما يفعلون!

ما رأي الطب النفسي في ذلك؟ هل يرزح الجيل الجديد تحت هاجس الشكل؟ الاختصاصي في الأمراض النفسية د. سمير جاموس شرح: laquo;نعيش اليوم في عصر تأليه الجسد وإهمال كل ما عداه، فمقياس الجمال بات جمال الجسد لا الروح. نعيش في مجتمع استهلاكي يُروج لحاجيات تُجمّل المرء من الخارج من خلال الملابس الخارجية أو الداخلية، وأحياناً أخرى بالترويج لتقنيات أو تقارير تبرز الجمال وتمدّ عمره، علماً أن رهاب الشيخوخة يدفع البعض الى الانتحار حين يشعر أنه ما عاد شاباً وraquo;دعسraquo; على عتبة الكهولةraquo;.

شباب وشابات اليوم، بحسب جاموس، يلهثون وراء الجمال الجسدي بحثاً عن الإغراء، معبّرين عن رفض نفسي لشكلهم الخارجي الذي قد لا يتطابق مع معايير الجمال العصرية، وكم سمعنا بنساء قضين من نزيف حاد بعد جراحة تنحيفية، فيما ماتت أخريات على أثر جراحة تجميلية أو بسبب تناول مواد كيماوية تزيد جمال جسدهن، غير عابئات بمخاطر تلك المواد وبتأثيراتها الجانبية، فإذا بهن يعتقدن أن الإفراط في هذه المواد يزيد حظوظ بلوغ الجمال الجسدي المبتغى. ولئلا يكون كلام جاموس نظرياً أعطانا أمثلة: laquo;كلنا نعلم بانتشار مرض نفسي بين صفوف مراهقات اليوم هو داء فقدان الشهية العصبي ومحاولتهن التشبه بعارضات الأزياء اللواتي يبرزن عظامهن بسبب نحولهن البشع! والأمر نفسه ينطبق على المراهقين الشباب الذين يبحثون عن laquo;كمال أجسداهمraquo; والمشاركة في مباريات laquo;كمال الأجسامraquo;!

الشباب والشابات سمعوا بما حدث مع سامر وحزنوا، لكن على رغم ذلك لم يتنبهوا أكثر إلى أنفسهم... ألا يثير هذا الاستغراب؟ أجاب جاموس: laquo;يؤدي الدخان إلى الإصابة بالسرطان، لكن الناس ما زالوا يدخنون! وسبب هذا اللذة التي يشعرون بها عبر التشبّه بأشخاص يعتبرونهم مثاليين. لدينا كلّنا في اللاوعي صورة لجسدنا نرغب في تحقيقها فتصبح طموحنا و{مصدر سعادتناraquo;، ما يجعلنا نخاطر بحياتنا في سبيل الوصول إلى السعادة الكبرى.

أخطأ سامر الياس ورحل... ماذا عنكم؟ ماذا عمّن يُخطئ مثله من شباب اليوم؟ أربعة من أصدقاء سامر هم: يحيى سعادة ومحمود المقداد وهاني عساف وجان بدوي في صدد تأليف جمعية تحمل اسم laquo;عبرةraquo; وموقعها الإلكتروني:
www.ibra.com.

مات سامر بإبرة والأمل بأن يكون رحيله ترك عبرة!

تُرى وصلت الرسالة؟