حامد الحمود


لا أعلم ان كان العنوان الرئيسي في القبس يوم السبت 2010/9/25 الذي ظهر بالشكل التالي: laquo;ناصر المحمد: مستعدون لمساعدة العراق لفرض الأمن والاستقرارraquo;، كان انتقائية من القبس من الكلمة التي ألقاها سمو الشيخ رئيس مجلس الوزراء في الأمم المتحدة أو قراءة موضوعية لتوجه جديد في السياسة الكويتية نحو العراق، بمعنى أن الكويت بدأت تدرك، ولو متأخرا، أن مدى تأثير العراق على الكويت هو أكبر من مسألة وضع العلامات الحدودية أو مسألة التعويضات. فالمد الطائفي الذي اجتاح العراق منذ سقوط النظام السابق، وهيمنة أحزاب شيعية على السلطة في بغداد، وجرائم تفجير مساجد وحسينيات شيعية من قبل مجرمين من القاعدة وردود الأفعال عليها بحق عراقيين أبرياء من السنة، أدى إلى شحن عواطف وتوترات طائفية امتدت إلى مجمل العالم الإسلامي. وكون الكويت ملاصقة لهذا العراق الجريح، فإن حظها من هذه التوترات والشحن الطائفي كان أكبر. وكانت تصريحات ياسر الحبيب المشينة بحق زوجة الرسول (ص) السيدة عائشة تفجيرا كان من الممكن أن يولد انفجارات أخرى. فأصبحت كلمتا: روافض ونواصب من أكثر الكلمات شيوعا في محطات فضائية طائفية تزيد أرباحها ويتضاعف عدد مشاهديها، مع زيادة التوترات الطائفية.
لكن تصريحات الحبيب، التي تثير اشمئزاز المسلم والمسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي، ليست بجديدة أو مبتكرة من قبل ياسر الحبيب، إنما هي موجودة في مراجع شيعية ويرددها كثير من غلاة الشيعة. لذلك لتجاوزها لا يمكن أن نكون كالنعامة نضع رأسنا في الرمل وندعي أنها حالة شاذة أو نقول ان ياسر الحبيب كان طفوليا بتصرفاته، مثلما ادعى النائب حسين القلاف.
إن كاتب هذه السطور يميل إلى كون الحبيب نفسه ضحية، فهو ضحية لما سمعه وقرأه منذ طفولته، أو ان تحولا طرأ عليه في مراحل متقدمه من حياته. إن هذا الشحن الطائفي الذي يتعرض له أطفال في عمر الورود من الشيعة بإظهار حبهم لآل البيت عن طريق كراهية شخصيات لها احترامها وقدسيتها عند جميع المسلمين لَجريمة ترتكب بحق هؤلاء الأطفال. وهنا أود أن أشير إلى فيديو ظهر على اليوتيوب شاهده حوالي ثمانية ملايين شخص لطفل إيراني لا يتجاوز عمره عشر سنين مدعيا فيه اضطهاد الخليفة عمر (ر) للسيدة فاطمة بنت الرسول (ص) واصفا فيه عذاباتها، وكأنه حضر الحادثة كمظهر من مظاهر هذا الشحن الطائفي لكل من يجل هذا الخليفة بالتقدير والاحترام. بمعنى أنه شحن لكراهية أغلب المسلمين.
إن كاتب هذه السطور لا يناقش هنا عقائد ورؤى شيعية مثل الإيمان بظهور المهدي المنتظر، وهو اعتقاد يدعمه حديث رواه سنة، ولا إن كان علي، كرم الله وجهه، أحق بالخلافة، فهذا جدل لن ينتهي ونحن المسلمين جميعا نعاني
كون أن التاريخ لم يصبح تاريخا بعد. فالتاريخ مستقبلنا وليس ماضينا، لذلك نحن في حفرة نجاهد لكي نخرج منها. إلا أن ما أناقشه هنا أن زرع الكراهية للطوائف الأخرى والأديان الأخرى في هذا الدين أو تلك الطائفة، جريمة بحق أطفالنا وأجيالنا ومستقبلنا جميعا. وهي ليست خيارا شخصيا، لأنها تهدد السلم الأهلي وعلاقة الأفراد في المجتمع الواحد. ولنتخذ ما قاله علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، لأصحابه في صفين، قدوة لنا عندما خاطبهم قائلا: laquo;لا تكونوا سبّابينraquo;، كما أن الله دعا المؤمنين الى أن يترفعوا حتى عن سب المشركين، قال تعالى laquo;ولا تسبوا الذين يدعون من دون اللهraquo; (الأنعام ndash; 108). فكيف تحول سب أصحاب الرسول (ص)الى ممارسه عادية ومقبولة لدى البعض.
ويرى د. إبراهيم الحيدري، الذي ولد وعاش في الكاظمية وعمل أستاذا لعلم الاجتماع في جامعتي بغداد وبرلين، أن المأساة تكمن لدى بعض الشيعة من كون عامتهم يفضلون من ينقلهم الى عالم الأوهام. فيقول في كتابه laquo;تراجيديا كربلاء: سوسيولوجيا الخطاب الشيعيraquo;، إن عامة الناس يفضلون القارئ أو الخطيب الذي يعرض مأساة الطف بكربلاء بمزيد من القصص والأساطير العاطفية التي تثير اللوعة والألم وتستدر الدموع، حتى لو كانت تلك القصص والأساطير والروايات والأحاديث بسيطة وساذجة وغير دقيقة من الناحيتين التاريخية والمنطقية أو تتعارض مع فكر وأهداف ومواقف الإمام الحسين وثورته المجيدة.
لا يمكن حل الخلاف الشيعي ـ السني لأنه خلاف ناتج عن قراءة غير موضوعية للتاريخ يتداخل فيه الإيمان والاعتقادات والخرافات مع التاريخ. وكما ذكر علي شريعتي في كتابه laquo;التشيع العلوي والتشيع الصفويraquo; منذ أكثر من أربعة عقود عن المرجع الشيعي الكبير كاشف الغطاء، أنه laquo; ليس المراد من التقريب بين المذاهب الإسلامية إزالة أصل الخلاف، بل أقصى المراد وجل الغرض هو إزالة أن يكون هذا الخلاف سببا للعداء والبغضاء...raquo;. لذا أرى أن هذا الحب الموجه لآل البيت الممزوج بالكراهية لشخصيات يجلها ويقدرها مواطنون ومسلمون آخرون هو نقيض للحب الحقيقي ويحتاج إلى تنقية، رحمة بهؤلاء الأطفال الذين ينشد تعليمهم المحبة. وما أثاره ياسر الحبيب يمكن أن يكون جرس إنذار أو منبها لحالة نفسية واجتماعية ساعدت في ظهورها عوامل من أهمها المد الطائفي الذي اجتاح العراق. ولعله ينبه الحكومة الى أن مشكلتنا مع العراق هي أكبر من علامات حدود وتعويضات. بل أن استقرارنا ومستقبلنا مرتبط كذلك باستقرار العراق وأمنه. كما اننا نحن المسلمين جميعا نعاني عزلة وعصبية وأمراضا اجتماعية، مدعين بانها من الدين ومن جوهره. وإلا فكيف نفسر دعوة رجل دين سني إلى قتل من يدعون إلى الاختلاط او من آخر شيعي يتعرض إلى شرف زوجة الرسول (ص). إننا بحاجة إلى نقد ذاتي يكشف مواطن الخلل وأن نكون واضحين مع أنفسنا، أو الى المصارحة كما يدعو د. طه جبر العلواني في كتابه (لا إكراه في الدين) laquo;لأن مصارحة الأمة بحقيقة أمراضها أرجى لشفائهاraquo;.