عبد الرحمن الراشد
لم يجد بعض أعضاء الجامعة العربية حلا لعجز منظمتهم سوى الاقتراح بتغيير اسمها إلى الاتحاد العربي، تماما مثل مصاب بمرض في القلب يقرر إجراء عملية تجميل أنف! الجامعة العربية من أقدم المنظمات في العالم، تأسست قبل الأمم المتحدة، مع هذا لم تتعلم من خبرتها الكثير. ولديها من التجارب والتراكم المعرفي ما يؤهلها لقيادة العالم نحو الأفضل، لكنها لا تستطيع قيادة نفسها.
ومع احترامنا للاقتراح اليمني، فلن يصلح وضع الجامعة العربية تغيير اسمها، أو تبديل أمينها العام، أو نقل مقرها، فهذه المسائل ليست مصدر الخلل. العلة في سكانها، وفي محاولة جمعهم في مبنى واحد وفي قمة واحدة وعلى طاولة واحدة وهم لا يعترفون ببعضهم البعض ولا بالجامعة مرجعا لهم. فما الفائدة من الجامعة العربية وقممها العربية في ظل انقسام مزمن؟
خلال السنين الطويلة الماضية صار سهلا رسم خريطة الجامعة، من مع ومن ضد. ولم يعد سرا أن في الجامعة العربية فريقين منقسمين، انقساما على حد السكين في كل القضايا والاجتماعات وصياغة البيانات، سواء التي تعالج الشؤون الصحية أو النزاعات السياسية. والحقيقة المدهشة أن الخلافات محدودة، لكنها من العمق بحيث تملي موقفها على الغرف الأخرى في الجامعة.
شعارات الأعضاء وبياناتهم عادة تزخرف وتدبج بكلمات فخمة وضخمة عن الوحدة والاتحاد والتعاون مع هذا لم يحققوا شيئا يستحق ذكره لسبب واحد فقط، هو انقسامهم الذي يجعل أيا من المشاريع الرائعة المطروحة غير قابلة للتنفيذ.
وما دامت هذه حقيقة أروقة الجامعة ومجالسها فإن المنطق يقول إن علينا الاعتراف بالواقع المؤلم، والتعامل معه وفقا لذلك، وعليه شطر الجامعة إلى جامعتين، فيكون كل فريق له جامعته ورفاقه وبياناته ومشاريعه. ويمكن من خلال هذا التوافق الحقيقي بينهم على إنتاج نشاطات مفيدة، سيكون سهلا على الدول المتشابهة والمتوافقة إنجاز الكثير بدل الانشغال بالاعتراض والتعطيل والتآمر من أجل تمرير بيان أو مشروع عمل.
سيساعد قيام جامعتين، أو جامعة بفرعين، على التنافس الصحي من أجل إقامة سوقين بدل عشرين، وسياستين، بدلا من خمس، وستعكس الجامعتان حقيقة الوضع وحاجاته. ستكون السلطة الفلسطينية في جامعة وحماس في جامعة وعلى البقية أن تختار جامعتها المفضلة.
تاريخيا، الجامعة عاشت منقسمة في داخلها إلى فريقين حتى في مطاعمها، ولجانها، وموظفيها. الحالة الوحيدة التي انفجر فيها الوضع وخرج عن السيطرة عندما أصر الأعضاء الغاضبون على نقل الجامعة عندما خاضت مصر مفاوضاتها مع إسرائيل، فعوقبت بنقل الجامعة إلى تونس. لكن الجامعة هناك فشلت لأنها انتقلت بضغوط عراقية ومن دون فرز حقيقي. ولو أن معسكر الصمود والتصدي وحده قرر الانتقال وبناء جامعته بنفسه، لربما جاءت النتيجة أفضل، وكذلك لو فعلت فرقة الاعتدال وأسست جامعتها لكانت الواجبات واضحة والتعاون أفضل، وصارت كل مجموعة منسجمة مع نفسها.
التعليقات