طيب تيزيني


ثمة مناسبات متعددة للكتابة عن طه حسين، عميد الأدب العربي، خصوصاً حول جانبين اثنين من جوانب حياته، هما موقفه من الغرب وموقفه من إسرائيل. وفي كلا الموقفين تبرز رؤيته النقدية التدقيقية. أما وجهة نظره القومية فيمكن تقصيها عبر رؤيته للحضارة. وفي هذه الحال، لابد من العودة إلى كتابه quot;مستقبل الثقافة في مصرquot;، إضافة إلى بعض الكتابات التي طرحها هنا وهناك من الصحافة المصرية، إضافة إلى تصريحات في هذه الأخيرة تعود لعِقد الأربعينيات من القرن المنصرم. وإذا كانت المناسبة الآن متحدرة من ثلاثة أحداث هي وفاته في أثناء حرب أكتوبر 1973 وحرب أكتوبر هذه، وأخيراً مرور أربعين عاماً على رحيل جمال عبدالناصر، فإن ما أورثنا إياه طه حسين يشكل حالة مفتوحة لبحوث ودراسات كثيرة، خصوصاً أن هنالك من المسائل التي أتي عليها وظلت مُشْكلة على الدارسين الذين عليهم أن يعودوا إليها، مثل مفهوم quot;العصر الجاهليquot; والموقف من الغرب ومن مصر الفرعونية.

ونود الآن أن نتناول موقفين لطه حسين أخذ بهما وطرحهما، كما أشرنا، وإن كان أولهما (وهو موقفه من إسرائيل والصهيونية)، قد ظل بحاجة للعودة إليه وإلى وضعه موضع البحث العلمي التوثيقي والنقدي.

ولعل تناول الموضوع في شِقّيه في ضوء موقفه من الغرب، سيسهم في ضبطه وفتح باب نظري إليه. فكتابه المشار إليه تواً، يضع يدنا على أحد المفاصل الكبرى أو على المفصل الأكبر مِمّا نحن بصدده، نعني موقفه النظري والمنهجي من الغرب، فهذا الأخير الذي كان -في عصر طه حسين- يتجه نحو مزيد من التمدّد الاستعماري الاقتصادي والسياسي خصوصاً مع بدايات أولية للمشروع الصهيوني في فلسطين، الذي كان حتى حينه قد أخفق في النجاح تحت مجابهة الدولة العثمانية (الإسلامية) له، نقول، كان ذلك آخذاً بالتصاعد في الوقت نفسه.

لقد حدد الباحث الأزهري موقفه من ذاك الأخير في ضوء quot;الحضارةquot;، فكان حظه -وفق ذلك- كبيراً ومناسباً. وهذا كان وارداً، حيث إن ما كان بالنسبة إلى حسين غائباً، كان هو المطلوب: إنه التقدم التاريخي، الصناعي والاقتصادي والتكنولوجي، وكذلك العلمي والثقافي. وعلى هذا، فإن ما نفتقده، هو ما نسعى إلى امتلاكه. من هنا، جاء السؤال الكبير، في حينه: لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا نحن؟

إن الإجابة عن ذلك السؤال أتت لدى طه حسين بصيغة تمثل ذلك التقدم التاريخي، إلى درجة احتمال أن تتماهى مصر مع ذلك الغرب. ولِمَ لا؟ فقد أخذ هو الكثير مما كان لدينا. لكننا فقدنا المبادرة التاريخية، وظل هو يمارسها. ولما كانت مصر quot;الحضارةquot;، أي quot;الفرعونية العريقةquot; على رأس الحضارات القديمة، فهي تستطيع أن تحمي حضارتها، إذا ما تلقفت حضارة عصرنا، الغرب. وإذ ذاك، نكون كمن ظل قائماً في بنية الحضارة المصرية وإن تغير نسقها العمومي واسمها وخصوصيتها.

وبهذه الرؤية، ربما المضمرة، نظر طه حسين إلى محاولات الحركة الصهيونية امتلاك فلسطين ذات الحضارة العريقة. وهذا يمثّل تناقضاً تاريخياً، فمن أتى إلى فلسطين إنما هم صهيونيون. وهؤلاء هم غير اليهود التاريخيين، لذلك، quot;لا وجود لحضارة لإسرائيل حتى نواجهها، وبالتالي لا توجد لها حضارة تصارعنا، وإنما يوجد استخدام واستغلال من جماعة اليهود الوافدين من الغرب المستغلّين لحضارة هذا الغربquot;، أي لهذا الذي نلتقي نحن معه ضد أولئك.

إن ذلك يطرح على المؤرخين والباحثين العرب مهمات كبرى لضبط ما زال معلقاً من قضايانا.