احمد المرشد

اعتقد ان قمة سرت العربية الاستثنائية التي استضافتها ليبيا الأسبوع المنصرم، رسمت طريق الفشل للمبادرة التي يتبناها عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية بإقامة laquo;رابطة الجوار الإقليميraquo;. وهي المبادرة التي ناقشتها قمة سرت الأولى في مارس الماضي خلال الدورة العادية للقمة العربية، وأرجئ البحث فيها لمناقشتها عبر وزراء الخارجية العرب. واتضح من مناقشات القمة الأخيرة ظهور تباينات فى الرؤى العربية حيال أهم نقطتين كانتا على جدول أعمال قمة سرت الاستثنائية.. وهما مبادرتا laquo;إصلاح النظام العربيraquo; وraquo;رابطة الجوار الإقليميraquo;. هذا بالإضافة الى التلاسنات والتباينات أيضا بشأن مدى التدخل العربي فى القضية الفلسطينية، وهل تختص لجنة المتابعة العربية ببحث مستقبل المفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية، ام تعتبر هذه المفاوضات وتقريرها او إلغائها شأنا فلسطينيا داخليا لا يجب إقحام العرب به. وطبيعي ان تقود سوريا الموقف الرافض لإقحام لجنة المتابعة العربية في إقرار المفاوضات وضرورة ان يقتصر دورها على تسويق مبادرة السلام العربية.. وطبيعي أيضا ان يتولى الدفاع عن الموقف الآخر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي تعرض لمواقف رافضة من بعض القادة العرب، ومنها موقفه بشأن laquo;المقاومةraquo; وهل تستمر أم لا، وبأي وسيلة. ولم يكن التباين فقط بين الفلسطينيين والسوريين بشأن ماهية عمل لجنة المتابعة العربية، حيث ظهر اختلاف آخر ولكنه ليس بعيدا عن هذه القضية، وكان بين سوريا وقطر، خاصة عندما اشتمت قطر تلاسنا سوريا على مواقف الدوحة على مستوى القضية الفلسطينية، وهو ما استدعى تدخلا فوريا من رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم ومقاطعته السفير السوري فى ليبيا وإفهامه بان الدوحة لها مواقفها المعلنة بدعم الفلسطينيين، وانه ليس هناك تنسيقا مسبقا مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من اجل صياغة بيان لجنة المتابعة العربية وتحديد عملها ونطاقه.
نعود الى مبادرة laquo;رابطة الجوار الإقليميraquo; باعتبارها قضية حظيت باهتمام قمة سرت الاستثنائية، ولكن هذا الاهتمام لا يعني الموافقة على مبادرة عمرو موسي او رفضها بالمطلق من حيث المبدأ. فقد بدا من الموقفين المصري والسعودي، تقليلا من أهمية هذه المبادرة. لا نقول ان موقفي الرياض والقاهرة بمثابة رفض مطلق للمبادرة، ولكنهما أبديا اعتراضا على التوقيت، خاصة وان الحالة العربية غير مهيأة لمثل إنشاء هذه الرابطة، نظرا لتباين الرؤى والمواقف بين دول عربية وأخرى جارة، وعلى سبيل المثال، العلاقة المتأزمة مثلا بين مصر وإيران، ليست مصر وحدها، بل ثمة دول عربية أخرى لا تستطيع في الوقت الراهن قبول إيران في رابطة تضم الطرفين.
القاهرة والرياض على سبيل المثال، ارتأتا التطرق الى مبادرة إصلاح النظام العربي بالتركيز عليها خلال مداولات قمة سرت، وضرورة الإسراع فيها مع الاحتفاظ بمسمى laquo;الجامعة العربيةraquo; وعدم تغييره الى laquo;الاتحاد العربيraquo; وفقا للطرح الليبي، فيما كان موقفها من مسألة الجوار محل تشكيك وان يتم مناقشتها بروية وعدم تسرع.
هذا الموقف عبر عنه بقوة الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، عندما طرح رؤية بلاده أمام قمة سرت الاستثنائية التي دعت الى:
- التركيز مرحليا على سبل النهوض والارتقاء بالعمل العربي ليكون بالفعل والممارسة عملا مشتركا وفاعلا ومؤثرا على الصعيدين العربي والدولي.
- ضرورة مشاركة الجميع في إصلاح النظام العربي بالدرجة الأولى، مع تفعيل التعاون العربي من خلال تقوية مؤسسة جامعة الدول العربية. خاصة وأن غياب الدور العربي الفاعل والمؤثر، قد خلق فراغا استراتيجيا يتم استغلاله من قبل الكثير من الدول المجاورة.
ومن الجدير لفت الانتباه هنا الى إشارة وزير الخارجية السعودي الى ان فكرة رابطة الجوار الإقليمي نابعة من شعور بتآكل الدور الإقليمي للنظام العربي في محيطه ومركزه، مقارنة بتصاعد دور بعض الدول الأخرى، ناهيك عن استمرار التحدي الإسرائيلي. وهذا فى حد ذاته يفرض على العرب تدشين حقبة جديدة في تاريخ علاقة النظام العربي بمحيطه الجغرافي، على اعتبار أن هذا الأمر يقصد من ورائه توفير أساليب وآليات مبتكرة تجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات الراهنة والمقبلة واحتواء الأخطار المقبلة وإحداث نقلة نوعية في النظام العربي تمنحه الفاعلية والحيوية بدلا من الركود والجمود. ولم يغفل الموقف السعودي عن ملاحظة ان غياب الدور العربي المؤثر قد خلق فراغا استراتيجيا يتم استغلاله من قبل الكثير من الدول المجاورة، علاوة على ما سبق واشرنا، العلاقات المتوترة بين بعض الدول العربية ودول مجاورة، وهو ما لا يساعد على بلوغ الهدف من إنشاء رابطة الجوار الإقليمي.
ولكم كان الفيصل مقنعا فى إبلاغ رسالة السعودية لقمة سرت الاستثنائية، خاصة عندما خاض فى شرح الموقف السعودي من المبادرة: laquo;في تقديرنا أن الخوض في موضوع يتناول ترتيب علاقات النظام العربي، الذي ما زلنا بصدد ترميمه وإصلاحه، مع جوار جغرافي قد لا نكون مهيئين للتعامل معه، هذا الأمر يستوجب التهيئة له جيدا في إطار البيت العربي أولاraquo;.
فمسألة بلوغ علاقة متوازنة مع دول الجوار إلى الحد الذي يحقق الغايات العربية، تستوجب معالجة المعوقات والإشكالات التي تعترض قيام نظام عربي فاعل وقادر على التعامل مع دول الجوار ككتلة متجانسة وموحدة. وهو ما دفع السعودية الى طرح اقتراح مفاده، أن من المصلحة التركيز مرحليا على سبل النهوض والارتقاء بالعمل العربي ليكون بالفعل والممارسة عملا مشتركا وفاعلا ومؤثرا على الصعيدين العربي والدولي، وأن إصلاح هذا النظام يستدعي بالدرجة الأولى تفعيل التعاون العربي من خلال تقوية مؤسسة جامعة الدول العربية، بما يكفل زيادة فعالية النظام العربي ويجعله أكثر تأهيلا لبلورة سياسة جوار عربي تكتسب عندها العلاقات مع دول الجوار البعد الاستراتيجي المنشود.
وواضح من مراجعة متأنية لإعمال قمة سرت، مدى التنسيق المسبق بين مصر والسعودية فى إبداء مواقف موحدة حيال القضايا التي طرحت أمام القمة، وأهمها من وجهة نظرنا كما أسلفنا هي laquo;رابطة الجوار الإقليميraquo;.. فالرئيس المصري حسني مبارك شدد فى كلمته وبما يتسق مع الموقف السعودي، على ضرورة ان ينطلق تعزيز التعاون العربي مع المجتمع الدولي بجميع منظوماته وتجمعاته ودوائره الإقليمية.. وان الخطوة الأولى على هذا الطريق هي بلورة رؤية موحدة تجاه دول الجوار العربي وتصور آليات عملية وواقعية للتعامل معها في إطار توافق عربي.. وبما يحقق المصلحة العربية، وعلى هذه الرؤية أن تجمع بين اعتماد معايير واضحة ومحددة ومتفق عليها للتعامل مع دول الجوار وتحديد أولويات التحركات تجاهها، وبين ضرورة مراعاة أوضاع العلاقات بين دول العالم العربي وكل دولة من دول هذا الجوار.
وختاما.. لن نلتفت الى ما أقرته قمة سرت لانه عبارة عن دعم الوحدة السودانية والصومالية والقضية الفلسطينية، ولكننا آثرنا التركيز على نقاط الخلاف، لان هذا هو ما يستحق المناقشة والتعليق. والاهم من ذلك، انه بات على العرب إدراك أبعاد المخاطر والتحديات التي تواجههم، وضرورة توفير آلية تحقيق كافة متطلبات المرحلة الراهنة بكل ما يكتنفها من مستجدات وتحديات. فمجرد الشعور بضرورة عقد قمة استثنائية لتدارس سبل النهوض بالعمل العربي المشترك ومبادرة سياسة الجوار العربي، فيه الدلالة الكافية على أهمية هذا الأمر. والمؤكد أن مثل هذه المبادرات مهمة للغاية وجديرة بالاهتمام والعناية على اعتبار ان أهدافها نبيلة، ولكن الموقف يستدعي الدراسة المتأنية قبل الخوض فى تجربة مريرة ينجم عنها خسائر للعرب بدلا من الغايات النبيلة التي تتحدث المبادرات عنها وهي لا تزال على الورق.