ظافر محمد العجمي
في 23 أكتوبر 1911 قام النقيب طيار كارلو ماريا بياتزا Carlo Mariaraquo; Piazzaraquo; بإسقاط قنبلة بيده على القوات التركية في ليبيا، مسجلا بتلك الخطوة أول استخدام للطائرات في الهجوم الأرضي، وقد أدى مقتل عدد كبير من الجنود إلى هزيمة القوات العثمانية واحتلال الإيطاليين ليبيا. في تلك الحرب العثمانية الإيطالية 1911-1912م قدم حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح إعانة بمبلغ 3.000 ليرة عثمانية، ولم تكن تلك إلا خطوة ضمن سلسلة إعانات حربية ومدنية قدمها للدولة العثمانية، تلتها إعانات في حرب البلقان بمبلغ 11.000 ليرة عثمانية. وحريق الأستانة عام 1911 بمبلغ 5.000 ليرة عثمانية، وعند إنشاء سكة حديد الحجاز 1.000 ليرة عثمانية. وفي 6 نوفمبر 1914 ومع نزول البريطانيين في الفاو عند اشتعال الحرب العالمية الأولى، أعلن مبارك وقوفه مع بريطانيا، وأرسل خيالته شمال الجهراء لمنع التفاف القوات العثمانية على البريطانيين. بل وأمر الدكتور التركي الوحيد أسعد والذي كان يعمل بالمستوصف الخيري بمغادرة الكويت. سوء معاملة العثمانيين لرعاياهم هو الذي أدى لمثل هذه الخطوة على طول الساحل الشرقي للخليج، ففي 8 مايو 1913م وبعد حصار دام ثلاثة أيام لقصر إبراهيم استطاع الملك عبدالعزيز بن سعود طرد قوات الخلافة العثمانية من الأحساء آخر معقل لهم في الخليج العربي كله. سبقه خروجهم من قطر بعد خسارتهم معركة الوجبة ضد القطريين في 25 مارس 1893م. وهذه المعلومات هي ما تقوله مصادرنا القديمة عن الخطوات التي أدت إلى تجريد الأتراك من صفة الدولة الخليجية التي عاشها بعض آبائنا وأجدادنا.
أما المصادر التركية الحديثة فتذهب إلى أن أنقرة تقوم خطوة فخطوة بتنفيذ الرؤية التي رسمتها في سبيل تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة للاستقرار. كما تقول نفس المصادر إن إحدى الحلقات المهمة لهذه الرؤية، هي آلية الحوار الاستراتيجي مع دول الخليج. وقد بدأت الخطوات التركية مع سوريا ولبنان والأردن والعراق، كما أن هناك نوايا لتأسيس مجلس للتعاون الاستراتيجي مع مصر. وبناء عليه فقد عقد في الكويت 17 أكتوبر 2010م الاجتماع الوزاري المشترك الثالث للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وتركيا، ولم يأت هذا الاجتماع كقفزة بين الوقت الراهن ومطلع القرن الماضي بل كان هناك تطور تاريخي إيجابي للعلاقات الخليجية التركية، فقد دأبت تركيا على إعادة تعريف نفسها بين الحين والآخر، فعلى إثر تكون الجمهورية بعد اتفاقية لوزان 1923م ظهرت العلمانية، ويممت وجهها بقيادة أتاتورك إلى الغرب، بل إنها منعت الحج حتى عام 1947م، ثم انضمت لحلف شمال الأطلسي سنه 1952م وأجبرها ذلك إلى الالتفات إلينا حين انضمت عام 1955م إلى حلف بغداد الذي بعث نوري السعيد في جهد محموم لإدخال الكويت في ذلك الحلف. ولأن دول الخليج كانت في ظل الحماية البريطانية فقد توجب على أنقرة أن تنتظر حتى إلغاء تلك الاتفاقية لإقامة علاقات مع الكويت في 1961م ثم مع بقية دول الخليج عام 1971م، لكنها كانت طوال تلك الفترة قائمة مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، حيث تطورت العلاقات بينهم فوقع البلدان في عام 1984 اتفاقية دفاعية وصناعة عسكرية مشتركة برأسمال سعودي وخبرة تركية، وفي 1985م سمح ببيع العقارات للرعايا الخليجيين، وقامت السعودية والكويت والإمارات بتمويل مشروع للكهرباء على مضيق البسفور، كما كان لتركيا موقف مشرف في حرب تحرير الكويت 1991م.
فماذا تريد تركيا وماذا نريد من تركيا الجديدة؟
تعد تركيا من الفاعلين الأساسيين في التجارة العالمية، وهذا ما أوصل إسطنبول لتكون عاصمة أوروبا الاقتصادية في العام 2010م، والشراكة التركية الخليجية تأتي لأن تركيا تحتاج للنفط، ورؤوس الأموال والاستثمارات اللازمة لنمو اقتصادها. ويبدو أن هذه الخطوات تسير ثابتة في الاتجاه الصحيح فصادرات أنقرة لدولة الإمارات العربية كمثال تأتي على قمة الصادرات التركية الخارجية وتبلغ 3% من صادرات تركيا، حتى إنها أكبر من الصادرات التركية لألمانيا التي تعتبر شريكا تجاريا تاريخيا لأنقرة. ولعل هذا هو الدافع الأهم للحوار الذي عقد في 17-18 أكتوبر الجاري حيث انتهت مرحلة وضع الأطر خلال الاجتماعات السابقة، وتم البدء بوضع الآليات لتنفيذ التعاون الاستراتيجي الخليجي التركي من خلال عدة لجان مشتركة تغطي أوجه التعاون التسع التي تشمل التجارة والاستثمار والزراعة والأمن الغذائي والنقل والاتصالات والطاقة والبيئة والسياحة والصحة والثقافة والتعليم.
لقد ورد التعاون الأمني ضمن أوجه الشراكة التركية الخليجية، فما هو مفهوم أمن الخليج من المنظور التركي؟
تعيد الجمهورية التركية تعريف نفسها بعد توجهها الأخير للشرق، وقد حدث ذلك في وقت تتزاحم فيه القوى الإقليمية على حجز مكان لها في الخريطة الجيو-استرايتجية التي نشأت من جرَّاء خروج العراق من معادلة الأمن في الخليج. وقد التقى الطموح التركي مع الرغبة الخليجية لتحقيق التوازن في المنطقة بعد احتلال العراق، واستمرار الطموح النووي الإيراني. فالصيغة المثلى لأمن الخليج من المنظور التركي هي تحقيق توازن إقليمي بمساعدة الغرب، وهو نفس المنظور الخليجي في الوقت الراهن من جرَّاء ضعف منظومة الأمن الجماعي الخليجي. ولعل ما شكّل المنظور التركي هو وجود تحفظ أميركي على توسع دور أنقرة في منطقة الخليج لأنه يعني التعارض مع مصالح واشنطن في الخليج أو خروجاً تركياً عن وصاية أميركا التي استمرت منذ أن أصبحت عضواً في حلف شمال الأطلسي 1952م.
وكان البديل عن الاندفاع العسكري التركي للخليج هو مساندة حلف الناتو لتركيا في تطلعاتها الجديدة نحو منطقة الخليج عبر مبادرة إسطنبول 2004م laquo;ICI) laquo;Istanbul Cooperation Initiative) والتي انضمت إليها دول المجلس على صيغة laquo;26+1raquo; بدل laquo;26+6raquo; مما جعل السعودية وعمان ترفضان الانضمام لها لأسباب عدة لعل أبرزها محدودية جدواها التي تنحصر في التدريب وتبادل المعلومات الأمنية، ورفض الحلف الاتفاق مع دول المجلس ككتلة واحدة، ثم عولمة أمن الخليج من خلال هذه الصيغة. ورغم القصور في (ICI) تبقى تركيا في تعاونها معنا مكسبا أمنيا، فتركيا تتمتع بخبرات عسكرية عدة، ولديها أكبر جيش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة، حيث يبلغ تعداده نصف مليون جندي، بالإضافة إلى 900 ألف من جنود الاحتياط. كما أن لدى تركيا صناعاتها العسكرية التي تعتمد حتى الآن على تراخيص إنتاج من بلد المنشأ، وهي في أمس الحاجة للإسهام المالي لدول الخليج في صندوق الصناعات العسكرية.
إن الحوار الاستراتيجي مع تركيا هو نقلة نوعية في العلاقات والعمل الدبلوماسي الخليجي خارج الأطر التقليدية مع الغرب. وتركيا كما ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية كانت حاضرة في الملفات التي تهم الخليج، وكانت سياستها تتسم بالتوازن والاعتدال. ولأن التمدد الإقليمي من دول الجوار هو قدرنا المستمر، فنتمنى أن يكون هناك توازن في التمدد بين تركيا وجمهورية إيران الإسلامية، الذي بدأ منذ معركة جالديران عام 1514م بين سليم الأول وإسماعيل الصفوي، فهل نرى تآكلاً في العلاقات بين البلدين أم تعقلاً من كلا الجانبين، خاصة أن تركيا قد أظهرت حسن النية لإخراج طهران من أزمتها النووية مع المجتمع الدولي عبر الحل البرازيلي التركي. أما من سينجح في كسب قلوبنا وعقولنا فأشير إلى أن من عاصر سبعينيات القرن الماضي يعرف شاهنشاهية وغطرسة المطربة الإيرانية قوقوش التي فشلت في التسلل لقلوبنا رغم جمال وجهها وصوتها، بينما انسلت نور ومعها مهند كنسمة عليلة إلى داخل بيوتنا بكل يسر.
التعليقات