عدنان السيد

أحدثت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لبيروت ردود أفعال مدوية في الشرق الأوسط وبعض العواصم الغربية .

صحيح أنها انطلقت من دعوة رسمية تلقاها الرئيس الإيراني من رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان غداة زيارته طهران، وهي أتت نتيجة مجهودات دبلوماسية قامت بها السفارة الإيرانية في بيروت، مهّدت لتوقيع ستة عشر اتفاقاً ومذكرة تفاهم في شؤون الطاقة والمياه، والتكنولوجيا، والصحة، والرياضة، والزراعة، والصناعات اليدوية، والسياحة، والبيئة، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والتبادل الإعلامي، والاستثمار، أي أنها أسهمت في تطوير العلاقات البينية، وزيادة درجة التعاون في مجالات عدة غير محظورة في قرارات مجلس الأمن التي فرضت نوعاً من الحصار على إيران .

بيد أن الصحيح كذلك هو ورود ردود أفعال ldquo;إسرائيليةrdquo; وأمريكية وأوروبية حيال الزيارة، وكيف إذا كانت المنطقة متوترة أصلاً بالأزمة العراقية، والمفاوضات الفلسطينية - ldquo;الإسرائيليةrdquo; غير الواعدة، وتداعيات المحكمة الخاصة بلبنان، فضلاً عن الملف النووي الإيراني، وغيره من قضايا القرن الإفريقي والخليج؟

صارت بيروت نقطة تحول منذ انعقاد القمة الثلاثية السعودية - السورية -اللبنانية في شهر تموز/ يوليو الماضي، التي بحثت الإشكالات المرافقة لمسار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وتطرقت إلى ضرورة حل الأزمة العراقية بتشكيل حكومة اتحادية كفيلة بتحقيق الوحدة الوطنية، وتابعت تفاصيل المفاوضات الفلسطينية - ldquo;الإسرائيليةrdquo; برعاية أمريكية، وما يمكن أن تحقق إذا ما قُدّر لها النجاح والاستمرار . وما برحت هذه القمة الثلاثية ترخي ظلالها الإيجابية على مسار التفاصيل اللبنانية المختلفة .

أراد رئيس الجمهورية اللبنانية متابعة سياسته التوافقية، محلياً وخارجياً، ولا يزال في حالة تنسيق وتواصل مع سوريا، والمملكة العربية السعودية، وغيرهما من الدول العربية، ناهيك عن محاولاته عرض القضية اللبنانية في عواصم العالم والمحافل الدولية، علّه بذلك يعيد إلى لبنان دوره الرسالي الحضاري في المنطقة والعالم الأوسع .

كان يجدر بالساسة اللبنانيين مواكبة هذه السياسة ضناً بلبنان الوطن ولبنان الدولة، قبل التفكير في المكاسب والمغانم الشخصية والفئوية ولو على حساب الوطن الصغير . إن أي مطلب فئوي مهما علا شأنه لن يعلو على سيادة لبنان واستقراره ووحدة أراضيه . والمطلوب من هؤلاء الساسة شيء محدد، هو عدم استدراج الخارج الإقليمي والدولي إلى تفاصيل الحياة الداخلية اللبنانية .

ربما يحتاج هذا الأمر إلى ثقافة سياسية من نوع آخر، ثقافة المواطنة الحقّة المنطلقة من حقوق الإنسان، ووحدة الولاء والانتماء، ثقافة الانفتاح لا ثقافة الفتنة، ثقافة الخير العام لا ثقافة الاستئثار بالموارد والثروات .

على أن المراقب لزيارة الرئيس الإيراني لبيروت يدرك أهمية التنسيق بين طهران ودمشق والرياض من أجل بيروت، وقضايا عربية عدة ممتدة من بغداد إلى القدس إلى الخرطوم . . ونعتقد أن أموراً مهمة عدا الملف اللبناني جديرة باستمرار هذا التنسيق:

1- إيجاد حل سريع للأزمة العراقية بتشكيل حكومة اتحادية قوية، تضع حداً للانقسامات السياسية والفئوية الحاصلة، وتمنع من اتساع الفتنة بين المسلمين إلى بلاد العرب والعالم .

2- رفض صيغة (ldquo;إسرائيلrdquo;: دولة يهودية) التي تعني تكريس كيان عنصري في الشرق الأوسط، على حساب الفلسطينيين، بمن فيهم فلسطينيو ،1948 والتي تنذر بحروب متصلة في المنطقة . ولا يمكن الحديث عن مبادرة عربية للسلام بعيداً عن إيجاد حل عادل لقضية فلسطين، يؤِّمن عودة اللاجئين إلى ديارهم .

3- التمهيد لقمة عربية عادية في آذار/ مارس المقبل، تضع أسس نظام إقليمي جديد، قائم على تطوير ميثاق جامعة الدول العربية، والإنفتاح على تركيا وإيران كما طالب الأمين العام للجامعة . قمة تعيد الاعتبار لفكرة الأمن العربي في عالم متغّير، عالم التكتلات الكبرى .

ستبقى بيروت نقطة انطلاق سياسية في الشرق الأوسط على الرغم من صِغَر حجم لبنان الجغرافي . هذا هو منطق الجغرافيا السياسية منذ أن تأسس الكيان اللبناني في عام ،1920 وهذا ما تؤكده تطورات الشرق الأوسط، بما فيها من فرص ومخاطر . ولا غرابة إذا ما تجمّعت في لبنان مصالح إقليمية وعالمية مختلفة، إنما الغرابة أل نعي نحن أهمية دور لبنان في المنطقة والعالم .