محمد السعيد ادريس
الصراحة التي تحدث بها أحمد قريع (أبو علاء) مهندس اتفاق أوسلو وأشهر المفاوضين الفلسطينيين ورئيس الحكومة الفلسطينية الأسبق أمام الندوة التي نظمها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مساء الأحد (17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري) حول مستقبل المفاوضات الفلسطينية ldquo;الإسرائيليةrdquo; المتعثرة، كانت صراحة لافتة ومثيرة وغير مسبوقة انتهى فيها أبو علاء إلى نتيجة جريئة بالنسبة لواحد من أهم رموز السلطة الفلسطينية وهي أنه لا أمل فلسطينياً من تفاوض مع ldquo;الإسرائيليينrdquo; .
هذه هي الخلاصة منذ مفاوضات مؤتمر مدريد عام 1991 مروراً بمفاوضات أوسلو وما تلاها من جولات كرّ وفرّ بين الطرفين: لا أمل تفاوضياً . دلائل أبو علاء على ذلك كانت كثيرة وصريحة ومؤكدة، أبرزها ما انتهت إليه حتى الآن جولات هذا التفاوض وهي لا شيء واحداً فلسطينياً إيجابي، وتوسع وتهويد واستيطان وتهديد بطرد فلسطينيي 1948 والاستيلاء على كامل ldquo;القدس الموسعةrdquo; التي تكاد تبتلع أكثر من نصف الضفة الغربية .
نتيجة أبو علاء أكدها بالرجوع إلى ما أكده إسحق شامير رئيس الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; الأسبق عندما اضطر عام 1991 إلى الرضوخ لضغوط جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق وقبول المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام، وقتها نجح شامير في أن يفرض شروطه ولاءاته التي كان من أبرزها: لا لمشاركة الأمم المتحدة، أي لا للمرجعية الدولية والاكتفاء بالمرجعية الأمريكية السوفييتية، ولا لوفد تفاوض عربي موحد، ولا لوفد تفاوض فلسطيني مستقل، ومع ذلك كانت إجابته على جيمس بيكر أنه سيشارك في مؤتمر مدريد ولكنه ldquo;سيفاوض الفلسطينيين عشرات السنين حتى لا يجدوا ما يفاوضون عليهrdquo;، أي أن التفاوض مستمر نظرياً، لكن عملياً التوسع والاستيطان والتهويد هو الحقيقة المؤكدة الواحدة .
ما قاله شامير كرره بنيامين نتنياهو مرة أخرى في مناسبة أخرى في حديث بالقناة العاشرة للتلفزيون ldquo;الإسرائيليrdquo; منذ شهرين فقط عندما قال بافتخار ldquo;أنا الذي دمرت أوسلوrdquo; . ما قاله نتنياهو قاله وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان عشرات المرات بتأكيده أن السلام ليس خياراً ldquo;إسرائيلياًrdquo;، وأن خيار ldquo;إسرائيلrdquo; هو الأمن، ولا أمن إلا بالتخلص أولاً من الخطر الإيراني . ليبرمان لم يكتف بذلك لكنه سبق له أن أكد أهمية استمرار وجود الرئيس أبومازن على رأس السلطة الفلسطينية، وأهمية استمرار السلطة، فبقاء الاثنين معاً ليس له غير معنى واحد هو استمرار نجاح ldquo;إسرائيلrdquo; في التوسع والاستيطان تحت غطاء وهم السلام . هذه النتيجة وصل إليها أبو علاء لكنه لم يستطع أن يتقدم خطوة أخرى نحو الإجابة عن السؤال: وماذا بعد؟ أو ما الحل في ظل الانحياز الأمريكي المطلق والتراجعات المتواصلة في الوعود الأمريكية، وعجز الموقف العربي وسلبيته في دعم صمود الشعب الفلسطيني؟
وضع مأساوي لم يجد له أبو علاء غير حل واحد هو المصالحة الفلسطينية .
تفكير إيجابي لكنه خيالي ونظري، لأن المصالحة لم تعد مجرد إبداء حسن النوايا من طرف إلى آخر .
إذا كان الأمر كذلك فأي وحدة وطنية فلسطينية يمكن الحديث عنها باعتبارها الحل الأمثل للوضع الراهن في عملية التسوية في ظل رفض حكومة ldquo;إسرائيلrdquo; تجميد الاستيطان، وتصعيد إصدار القوانين العنصرية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وخاصة قانون الولاء للدولة اليهودية لكل فلسطيني يريد أن يبقى في هذه الدولة؟ وأي وحدة وطنية فلسطينية في ظل استعداد فصيل فلسطيني للاعتراف ب ldquo;يهودية إسرائيلrdquo; .
المعنى الوحيد لدعوة الوحدة الفلسطينية في ظل هذه الحال باعتباره الحل الأمثل هو تحويل هذا الحل الأمثل إلى ldquo;خرافةrdquo; وطنية، لكنه يمكن أن يكون حلاً حقيقياً في ظل التوافق على شرطين، الأول: توافق على تحليل نهائي لمسيرة العملية السلمية الراهنة منذ مؤتمر مدريد وحتى الآن يؤكد أكذوبة دعوة السلام وعبثية استمرار هذه العملية .
الثاني: التوافق على برنامج وطني لتحقيق الحلم الوطني الفلسطيني في استرداد الحقوق وإقامة الوطن الفلسطيني .
مثل هذا البرنامج لن يكون حتماً في ظل التحليل الخاص بعبثية عملية التسوية إنما ببرنامج للتحرير الوطني يعتمد كل أدوات النضال الوطني، وأن يعيد ربط القضية الفلسطينية بعمقها القومي العربي وأبعادها الحضارية الإسلامية، ضمن وعي بحقيقة الصراع المؤكد منذ مؤتمر بازل اليهودي الأول عام 1897 وانطلاق المشروع الصهيوني .
مثل هذا الوعي وحده هو الذي يحقق الوحدة الوطنية، وعندها تتحول الوحدة هذه من خرافة إلى حقيقة، وإلا فستبقى الخرافة شعاراً لمشروع ضياع الحقوق والأوطان .
التعليقات