واشنطن

مع اقتراب موعد الاستفتاءين في جنوب السودان وفي منطقة أبيَيْ، يتزايد القلق الغربي المفتعل من تجدد الصراع في هذا البلد . والمطلوب كما يبدو، هو أن يستسلم السودان لتقطيع أوصاله، وأن يتقبل ذلك بصدر رحب، وما عدا ذلك فهو خطيئة لا تُغتفر .

ويجري الإعداد لانفصال جنوب السودان في الإعلام الغربي بمثابرة واطراد، باستخدام كل الوسائل الإعلامية الممكنة، التي ليس أقلها استنهاض همم ldquo;أبطالrdquo; هوليوود، وحماة الفضيلة فيها، لحشد التأييد للانفصال، وتحريض الإدارة الأمريكية على التدخّل لتحقيق ذلك إذا اقتضى الأمر .

سُلطت الأضواء على ممثل هوليوود الشهير جورج كلوني مرة أخرى، لا في أحد أفلامه هذه المرة، بل في زيارة قام بها إلى جنوب السودان، بصفته داعية سلام، يدقّ ناقوس الخطر، ويحذّر من صراع وشيك .

في صحيفة ldquo;واشنطن بوستrdquo; (13/10/2010)، كتب جاكسون ديل، عن كلوني بعد تلك الزيارة، جاء كلوني إلى واشنطن، يوم الثلاثاء، 12/،10 لكي يدق ناقوس الخطر، وفي اجتماعاته مع الرئيس أوباما، ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ومجلس العلاقات الخارجية، بذل قصارى جهده للتحذير مما يُنذر بأن يكون أشد أزمات العالم دموية سنة 2011- لا حرب أفغانستان، ولا حرب العراق، بل أزمة السودان .

ويقول الكاتب إن هذا البلد الإفريقي المترامي الأطراف، لم يحظ بالكثير من الاهتمام في السنتين الأخيرتين، منذ خمدت الحرب والطوارئ الإنسانية في دارفور إلى حدّ ما . ولكن أزمة ربما تكون أكبر، تلوح في الأفق الآن . فمن شبه المؤكد، أن يفرِض استفتاء شعبي سيجري في التاسع من يناير/ كانون الثاني، إعلان استقلال جنوب السودان، وهو منطقة شاسعة، غنية بالنفط، تقطنها غالبية من المسيحيين والروحانيين، الذين خاضوا حرباً أهلية على مدى عقدين من الزمن، مع الشمال الذي يغلب عليه العرب والمسلمون، قبل التوصل إلى اتفاق سلام سنة 2005 .

ويشير الكاتب إلى السحب التي تتلبد في سماء الاستفتاء، فالتحضير له يجري متأخراً كثيراً عن الجدول المقرر له . ولم تُحلّ النزاعات الحدودية بين الجانبين، وظل الشمال والجنوب يستخدمان عائدات النفط في تجهيز جيوشهما بالدبابات والأسلحة الثقيلة الأخرى .

. . وقد قال كلوني، أمام جمهور غفير في مجلس العلاقات الخارجية، إذا لم نفعل شيئاً، وإذا أدرنا ظهورنا للمشكلة، فقد يسقط 100 ألف شخص، أو نصف مليون أو مليون، فإمّا أن نفعل شيئاً الآن، أو نتدخل في ما بعد عندما تكون الفوضى قد استشرت وصار لا بدّ من معالجتها .

ويقول الكاتب إن كلوني، الذي انضم إلى المجلس، في الآونة الأخيرة، وخلافاً لبعض مشاهير هوليوود، الذين يخوضون في مياه الشؤون الدولية، يعطي انطباعاً بأنه جاد ومطلع على هذه القضية . فقد زار جنوب السودان عدة مرات؛ وقد عاد لتوه من زيارة له مع بريندرغاست، أحد أبرز الخبراء الغربيين في المنطقة .

وقد خلص الاثنان، كما قال بريندرغاست، إلى أن الوقت متأخر، ولكن الأوان لم يفتrdquo; لكي تقوم الولايات المتحدة والدول الأخرى بمنع حرب جديدة . فقد ظلت إدارة أوباما تهمل القضية حتى وقت قريب؛ وبعد أن تعهدت في أكتوبر/ تشرين الأول 2009 باتباع سياسة العصا والجزرة الموجهة نحو البشير، لم تفعل الكثير لتطبيق هذه السياسة .

ولكن كلوني وبريندرغاست قالا إنهما وجدا أوباما شديد الاهتمام بالقضية، عندما اجتمعا به وبكبار مستشاريه في البيت الأبيض يوم الثلاثاء 12/10 .

فماذا بوسع الإدارة الأمريكية أن تفعل؟ يؤيد كلوني وبريندِرغاست استخدام مزيج أقوى من الحوافز والعوائق للبشير . ويشيران إلى إمكان تشديد العقوبات، بما فيها استهداف الحسابات المصرفية والشركات المرتبطة بالنظام وكبار المسؤولين فيه .

وفي أسوأ الحالات، كما قال بريندِرغاست، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لمنع الشمال من استخدام قواته الجوية في مهاجمة سكان الجنوب المدنيين من دون تمييز، كما فعلت في دارفور . وذلك يعني ضمناً، تدخل الولايات المتحدة .

وعلى الرغم من أن كلوني أمضى اليوم في مقابلة كبار المسؤولين، إلاّ أنه قال إن أهدافه هي تحريض أكبر عدد ممكن من المواطنين العاديين للاتصال بالبيت الأبيض والكونغرس ودعم عمل أمريكي هجومي لمنع الحرب .

وفي هذا الإطار، يشير سكوت بالدوف، في صحيفة ldquo;كريستيان ساينس مونيتورrdquo; (15/10/2010)، وهو مراسلها في جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا، إلى أنه تلقى وزملاءه الصحافيين، و23 ألف شخص آخرين رسالة الكترونية من كلوني، جاء فيها: لدينا الآن فرصة سانحة لوقت قصير، لكي نفعل شيئاً نادراً ما فُعل، وهو وقف حرب قبل أن تبدأ، ولكن، إذا طال تردد المجتمع الدولي، أو تأخر في بذل جهوده كما حدث في دارفور فإن مئات الآلاف من الناس قد يفقدون حياتهم .

ولا يختلف مضمون هذه الرسالة عما ورد في افتتاحية لصحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo; (15/10/2010)، حيث قالت: إن الوقت المتاح لمحاولة تجنّب حرب أهلية في السودان، آخذ بالنفاد .

وتمضي قائلة، إن الرئيس أوباما وكبار مساعديه، وبعد إهمال طويل للمشكلة، يضغطون الآن على كلا الطرفين لكي يَفِيا بتعهداتهما، بضمان إجراء تصويت موثوق، والقبول بنتائجه، وتضيف أنها تأمل في ألا يكون قد فات الأوان على ذلك .

وفي موقع ldquo;أمريكا اون لاين نيوزrdquo; (13/10/2010)، كتبت باربارا سلافين، أن جون بريندرغاست، المتخصص في الشؤون الإفريقية، الذي يعطي المشورة لكلوني وغيره من المشاهير الذين يسعون إلى إنهاء الصراع الاثني في السودان ( . . .)، حثّ إدارة أوباما على إرسال مبعوث كبير إلى بكين، لحشد التأييد الصيني لانتقال سلمي إلى دولة سودانية جنوبية مستقلة .

وتقول الكاتبة، إن كلاً من كلوني وبريندرغاست، حذرا من أن السودانيين الجنوبيين ماضون في التسلح، والاستعداد لمهاجمة آبار النفط إذا أعيق الاستفتاء، أو إذا جرى تجاهل النتائج . وفي الوقت ذاته، يقوم الشمال بتسليح الميليشيات بالأسلوب الذي اتبعته حكومة الخرطوم في مهاجمة خصومها في مقاطعة دارفور في غرب السودان .

وتضيف الكاتبة أن كلوني، حث الأمريكيين على إرسال رسائل الكترونية إلى البيت الأبيض تأييداً لتصعيد التدخل الدبلوماسي، الذي قال إنه لن يكلف شيئاً، ولن يعرّض حياة الجنود الأمريكيين للخطر .

وفي صحيفة ldquo;واشنطن بوستrdquo; (17/10/2010)، كتب كلوني وبريندرغاست، وتيم فريسيا (وهو مصور صحافي ومخرج أفلام وثائقية)، لقد التقينا مع الرئيس أوباما الأسبوع الماضي، ووجدناه مطلعاً على الحقائق، ومدركاً لحراجة المرحلة .

ويضيفون قائلين، يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً مبدئياً دعماً لاستفتاء أبيي، وينبغي عليها أن تصعد إجراءاتها الدبلوماسية للتوصل إلى صفقة كبرى تعالج في النهاية جميع قضايا الخلاف بين الشمال والجنوب، ومنها مسألة مَن يشارك في التصويت في الاستفتاءين، وترتيبات ما بعدهما بين الشمال والجنوب (بما في ذلك تقاسم الثروة النفطية)، وترسيم الحدود، والجنسية والعلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة، وهي المسألة التي توليها الخرطوم عناية فائقة .

ويقولون: إن الفرص الدبلوماسية مثل هذه لا تعرِض كثيراً . وفي الوقت الراهن، تملك الولايات المتحدة الفرصة لتفادي إنفاق مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب على عمليات إنسانية تأتي لاحقاً، كما تملك الفرصة للحفاظ على أرواح ملايين البشر .