الحسين الزاوي

عرفت منطقة الشرق الأوسط خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية حراكاً دبلوماسياً غير مسبوق، حيث تبادل زعماء المنطقة الزيارات الرسمية التي حملت الكثير من الرسائل السياسية الموجهة إلى الأطراف المحلية والدولية . فقد قام الرئيس السوري بزيارة وصفت بالمهمة إلى المملكة العربية السعودية، وتم خلالها التشاور وتبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا الثنائية والإقليمية، خاصة وأن المملكة وسوريا تلعبان دوراً محورياً في دعم الهدوء والاستقرار وفي استمرارية سلطة الدولة في لبنان . وتزامنت هذه الزيارة مع زيارة أخرى، أثارت الكثير من ردود الأفعال المتناقضة، وهي التي أجراها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان وحمل معه خلالها رسائل إخاء وود موجهة إلى الداخل اللبناني بكل مكوناته السياسية والطائفية الفسيفسائية، كما حمل خلالها رسالة شديدة الوضوح والقوة إلى القادة ldquo;الإسرائيليينrdquo; في تل أبيب، خاصة حينما انتقل الضيف الإيراني إلى قلاع المقاومة اللبنانية في الجنوب وعبر عن دعم بلاده الكامل للبنان في دفاعه المستميت عن أراضيه ووحدته الترابية في مواجهة الأطماع والتحرشات ldquo;الإسرائيليةrdquo; .

وقبل زيارته إلى لبنان أجرى الرئيس الإيراني اتصالاً هاتفياً بالعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حمل الكثير من الدلالات الرمزية من حيث إشارته الواضحة إلى حرص زعماء المنطقة على إشاعة أجواء الثقة والتفاهم بين كل الشعوب العربية والإسلامية، وتوجيه كل الطاقات من أجل مواجهة تحديات الصراع مع العدو الصهيوني الذي ما يزال يمارس سياسة الاستيطان والعدوان ويرفض الاستجابة إلى القرارات الدولية المتعلقة بإيجاد حل سلمي للصراع في المنطقة . ويمكن القول إن هاتين الزيارتين المتزامنتين كان لهما تأثير إيجابي واضح، وتحديداً على مستوى الإسهام في التخفيف من حدة الأزمة السياسية اللبنانية التي تسارعت على خلفية التطورات المرتبطة بملف المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري . وبالتالي فهما تفصحان عن وجود إرادة سياسية قوية من أجل تجنيب الساحة اللبنانية تبعات أزمة دستورية جديدة، ويمكن لهذه الإرادة أن تتبلور وتتطور بشكل أكبر خلال الأسابيع والشهور المقبلة، إذا لم تتدخل أطراف غربية من أجل العبث بقواعد اللعبة السياسية الشديدة الحساسية في لبنان .

وشهدت المنطقة أيضاً زيارات أخرى متعلقة بالملف العراقي قام بها رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي إلى كل من سوريا والأردن وإيران ومصر، وقد أدت هذه الزيارات، بكل ما صاحبها من تصريحات متناقضة أدلى بها رؤساء الكتل السياسية، إلى إعادة تحريك موضوع أزمة تشكيل الحكومة العراقية، الذي يكاد يستنزف كل طاقات النخبة السياسية الحالية . وقد شكلت هذه الزيارات المكوكية التي قام بها المالكي مناسبة لشرح وجهة نظره بصدد الأزمة الحالية التي تعصف بالعراق، ويمكن اعتبارها بالتالي مؤشراً دالاً على طبيعة الأزمة في بلاد الرافدين، لأنها زيارات تعكس مقدار تغلغل بعض دول الجوار في الشؤون الداخلية للعراق، لأن العراق حينما كان يملك دولة قوية ومهابة الجانب، لم يكن بحاجة لاستشارة جيرانه بصدد مسائل سيادية تخص مستقبل الشعب العراقي دون سواه . والآن وبعد أن أوجد الاحتلال الأمريكي الظروف الموضوعية التي تسمح للآخرين بحشر أنوفهم في مشاكله الداخلية، فإن الكتل السياسية العراقية تتسابق من أجل الحصول على دعم القوى الإقليمية من أجل ضمان بسط سلطتها على الآخرين .

وعلينا أن نعترف هنا أن التدخل الإقليمي في شؤون العراق لا يتسم بالحساسية نفسها التي تميز التدخل الإيراني في شؤون العراق، نتيجة لأسباب استراتيجية وتاريخية من الصعب الاختلاف بشأنها، فدم الضحايا الذين سقطوا في الصراع بين الجانبين ما يزال يشهد على عمق الخلاف وفداحة الأزمة، ومن النادر أن تجد بيتا من بيوت العائلات في البلدين لم يكتوِ بنار الحروب التي نشبت بين الدولتين، كما أن الخلافات الحدودية بين البلدين لم تُسوَّ حتى الآن . وفضلا عن ذلك فإن العراق وإيران ظلا إلى عهد قريب يتنافسان بشأن السيطرة على المنطقة، قبل أن يأتي الاحتلال الأمريكي إلى ضفاف نهر دجلة والفرات، ويُغيِّر من موازين القوة بشكل رهيب وليرجح كفة طرف على طرف آخر . وهذا ما يدفعنا إلى الاستنتاج أن الحل الأمثل للأزمة العراقية لا يمكن أن يكون بعيدا عن تأثير دول الجوار العربي، شرط أن يتجرّد هذا التأثير من الصبغة الطائفية حتى لا يثير حساسية المكونات السياسية والمذهبية المختلفة في العراق .

وعلى العموم، نلاحظ أن هذه الزيارات الدبلوماسية المتتالية التي جاءت مباشرة عقب انعقاد القمة العربية الاستثنائية بمدينة سرت الليبية، قد أفرزت لدى الكثير قناعة مؤداها، أن هناك الكثير من بوادر النضج في المواقف العربية التي باتت تحرص على تفادي اتخاذ المواقف المتسرعة والمتشنجة التي تلحق أضراراً بليغة بمصالح كل الأطراف في المنطقة، فالخلافات الإقليمية لا تشكل في حد ذاتها كارثة بالنسبة للجميع، لكن التعامل معها بعيداً عن الحكمة والتبصر وبحساسية مفرطة هو الذي يؤدي إلى نتائج خطيرة بحجم الكارثة، خاصة حينما تتدخل قوى أجنبية كبرى من أجل إذكاء نار الفتنة والدفع بالأوضاع نحو حالة التعفن والانفجار .