لندن

مع الشعور بالغبطة لتفادي الكارثة التي كان يمكن أن يُحدثها الطردان المفخخان، اللذان تم اكتشافهما في دبي، وفي بريطانيا لو انفجرا، ومع الشعور بالاعتزاز بكفاءة جهاز شرطة دبي والقائمين عليه، ويقظتهم التي ليست بحاجة إلى دليل، ينبغي وضع هذا الحدث في نصابه الصحيح ، من دون تفريط قد يؤدي إلى كارثة، ومن دون إفراط يثير الذعر، ويعطي حركة القاعدة حجماً ليس لها، كما تقول بعض وسائل الإعلام الغربية .

في صحيفة ldquo;الغارديانrdquo;، (30/10/2010)، يدعو وزير الخارجية البريطاني الأسبق، جاك سترو، إلى عدم الاستهانة إطلاقاً، بالتهديدات الإرهابية، وإلى فعل كل ما هو ممكن لتفادي العواقب المحتملة . . ويستهل مقالته عن قنبلة اليمن، باقتباس ldquo;مفزعrdquo; عن أحد قادة الجيش الجمهوري الإيرلندي في ذروة المشكلة الإيرلندية، يقول فيه ldquo;عليكم أن تكونوا محظوظين في كل مرة، أمّا نحن، فيكفي أن نكون محظوظين مرة واحدةrdquo; . .

ويقول سترو، إنه كان يتمثل هذه العبارة في خاطره، في كل مرة كان يُضطرّ فيها، باعتباره وزيراً للداخلية أو وزيراً للخارجية، إلى التعامل مع عواقب اعتداء إرهابي، أو مع التركيز الإعلامي الذي يعقب اكتشاف خطة كان من شأنها قتل عدد كبير من الناس .

ويضيف سترو: في الحالات التي يتمكن الإرهابيون فيها من تنفيذ خطتهم، تكون المسؤولية الأولى، ضمانَ أعلى مستوى من رد الفعل، لمساعدة المصابين، والتعامل مع المفجوعين والسير في التحقيق الجنائي .

ويقول، إن الجمهور يصاب بالخوف، ليس وحسب بسبب الاعتداء الإرهابي الذي يحدث، بل بفعل المعلومات التي تصله . . ولذلك فإنه لا يمكن إرجاء التعامل مع الجمهور ووسائل الإعلام إلى فترة لاحقة، فذلك جزء مركزي من استراتيجية شاملة . والناس ليسوا مغفّلين - فهم يعلمون ضمناً أنه لا يوجد ضمان للسلامة مئة في المئة . ولكنهم مع ذلك، يحتاجون إلى تطمينات، وهم بحاجة إلى ثقة بالمسؤولين عن الأمور .

ويخلُص سترو إلى القول: ولذلك، عليكم أن تسيطروا على زمام القضية في الحال؛ فتوفّروا أقصى قدْر من المعلومات - وإياكم ثم إياكم أن تستهينوا بأي عواقب محتملة .

وفي صحيفة ldquo;الغارديانrdquo;، (1/11/2010) . . . يعقّب جوليان غلوفر، على هذا التحذير الصارم من جانب سترو، ويقول: ldquo;إن اليمن بلد منكوب، وينبغي علينا أن نساعده . والحديث عن المواجهة، ردّ فعل تافه- وهو بالتحديد، ما يريد الإرهابيون أن يسمعوهrdquo; .

ويتابع الكاتب قائلاً: إن جاك سترو، قد باح بالسّرّ من دون أن يقصد، أعني سرَّ الحرب على الإرهاب . . فهو يقول: ldquo;إياكم ثم إياكم، أن تستهينوا بالعواقب المحتملةrdquo; . فالغيلان تحت السرير، والجراثيم في المطبخ، والقاعدة انطلقت للنيل منّا جميعاً . .

ويمضي الكاتب قائلاً: إن هذا إثارة للذعر دون داعٍ، ولا ينبغي للتحالف أن يقع في شرَكِه . والكلمة الموحية في تصريح سترو، هي كلمة ldquo;محتملةrdquo; . إنها خفة اليد التي تنقلنا ممّا يحدُث فعلاً إلى ما يُحتمَل أن يحدث، وهي الحيلة التي تحوّل عبوةَ حبرِ طابعةٍ غير منفجرة، إلى كلمات في أفواه الرؤساء ورؤساء الوزارات . ويورد الكاتب تصريح رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون في نهاية الأسبوع، الذي قال فيه ldquo;ليس ثمة دليل مبكر على أن الانفجار كان مخططاً له أن يحدث على تراب بريطانيا، ولكننا لا نستطيع أن نتجاهل ذلك بطبيعة الحالrdquo; . .

ويعلق الكاتب على ذلك قائلاً: إنه على حق، طبعاً . فأنت لا تستطيع استبعاد الأمور . . إنك لا تستطيع، مثلاً، أن تستبعد احتمال قيام جنرال روسي ثمل بشنّ هجوم نووي على الغرب هذا المساء، أو اصطدام غواصة ترايدينت بريطانية، بنظيرتها الفرنسية (كما فعلتْ واحدة) وانفجارها (كما لم يحدُث والحمد لله)، أو تحطُّم طائرة نفاثة متجهة إلى مطار مدينة لندن في منطقة المكاتب شرقي المدينة، في يوم غائم من أيام نوفمبر/تشرين الثاني . ولكن رؤساء الوزراء لا يطلقون تصريحات

حول مثل تلك المخاطر، مع أنها حقيقية، هي أيضاً .

ويضيف الكاتب قائلاً: صحيح أن هنالك بعض الناس في العالم الإسلامي، يوَدّون لو يقتلون أعداداً كبيرة من الناس في الغرب- وبصرف النظر عن السبب، وبصرف النظر عن أخلاقية أفعالنا في العراق وأفغانستان، يجب على الحكومة أن تمنعهم من ذلك .

. . . ولكن الحكومة المتعقلة تلتقط الملاحظات الحقيقية المعقولة، فيسترعي انتباهَها أن اليمن دولة تعيش وضعاً رهيباً، لا بسبب استيراد الإرهابيين، بل لأن عائدات النفط فيها توشك أن تنضب . كما توشك صنعاء أن تخلو من الماء . وهنالك تمردات في جميع الأرجاء . إن هذه دولة تعيش كارثة . . وينبغي علينا أن نساعدها . والحديث عن المواجهة هو أتفه ردّ فعل ممكن: وكل تلك الادعاءات الوقحة بأن اليمن هو أفغانستان الجديدة، وكأن الإرهابيين يختارون أرض معاركهم، كما تختار دورُ الأزياء ألوان الخريف، هي بالضبط ما يريد رجال العنف سماعه .

ويدعو الكاتب إلى التحلي ببعض التفاؤل . . فالقاعدة في نظره قد تجزّأت، ولعلها تحطمت تماماً .

ويضيف: ولكن فشلنا كامن بين ظهرانينا . . فالخطر الذي يتهدد الغرب، كامن في الغرب، وصادر عن الغرب . وهو ينبع من مغتربين إسلاميين لدودين وخطِرين، في برادفورد وفي ديترويت، ومن سياسة خارجية حادت عن طريقها لتتيح لهم أن يعتقدوا مخطئين بأننا نريد تدمير الإسلام .

لقد غدونا ضائعين في عالم من سوء التفاهم المجنون . ويجب علينا ألا ننجرّ إلى جعله أسوأ .

صحيفة ldquo;التلغرافrdquo; (1/11/2010) تناولت الموضوع من زاوية مختلفة تماماً، فبعد أن بينت أهمية تبادل المعلومات في كشف الطرود الملغمة، بين أجهزة استخبارية مختلفة، طالبت رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بإلغاء أمر التحقيق في تقصيرات أجهزة الاستخبارات البريطانية . .

ورأت صحيفة ldquo;نيويورك ديلي نيوزrdquo; (31/10/2010)، أن خروج الرئيس الأمريكي، باراك أوباما عن تقليله من شأن أمثال هذه الحادثة، ومسارعته هذه المرة إلى شجب العملية، واعتبار المتفجرات المكتشفة ldquo;تهديداً إرهابياً مؤكداًrdquo;، ينفعه عشية الانتخابات النصفية .