بدر البلوي

تجاوزت حالة الترقب لدى بعض متابعي شؤون الشرق الأوسط إلى حالة الترشيح ، بأن المملكة ستكون الدولة الأولى في المنطقة التي ستسعى لامتلاك السلاح النووي بعد إسرائيل، بل إن البعض ذهب أبعد من ذلك الى القول أن لدى المملكة برنامج نووي سري، على رغم أن الرياض أكدت غير مرة بأنها متمسكة بالخيار اللانووي كخيار إستراتيجي في الوقت الحاضر، وأنها لن تبادر باتخاذ أي خطوة إيجابية في هذا الجانب في المستقبل. وهذا ما أكدته دول نووية عدة، وصرحت به منظمات دولية وفي أكثر من مناسبة.

إلا أن السؤال المنطقي الـــذي يقفز إلى الذهن هنا هو: ما هي الأسباب التي لا تزال تحفز صانع القرار السياسي في السعودية على الاستمرار في اتباع الخيار اللانووي أو السياسة النووية السلبية حتى الآن؟ على رغم مــــوقع المملكة في منطقة الشـــرق الأوسط التي تعد بؤرة نزاعات دائمة، بل أكـــثر منطقة في العالم تتسم بعدم الاستقرار مــــنذ الحرب العالمية الثانية، ما جعلها مركز استقطاب دولي، تشـــهد بسببه كثيراً من التجاذبات والتداخلات الدولية. علاوة على ذلك فإن المملكة دولة شاسعة، مترامية الأطراف ولها حدود مشتركة مع كثير من الدول. في هذا الوسط الإقليمي المتقلب، فإن انعدام الثقة أو ضعفها هما السمتان الأبرز في العلاقات الثنائية. ولهذا لا يُعتد كثيراً بظاهر العلاقات الطبـــيعية والطـيبة بين دول المنطقة، لأن دروس التاريخ أثبتت أنه لا يمكن قياس عمق تلك العلاقات الثنائية أو الجماعية بين دول المنطقة بمقياس المصالح المستخدم في وصف علاقات دول أخرى في العالم. لهذا قد تنقلب العلاقات بين عشية وضحاها إلى الأسوأ، ومن دون سبب سياسي وجيه.

بناءً على هذه الاعتبارات، قد يكون الحصول على السلاح النووي، في نظر البعض، هو الحل السحري وأكسير الحياة لأي دولة تريد العيش في هذه المنطقة المضطربة والتي شعارها البقاء للأقوى. إضافة إلى وجود الحاجة الأمنية في نظر البعض التي قد تحفز المملكة للتوجه نووياً، فإن لديها إمكانات مالية تسهل مهمة تصنيع السلاح النووي متى عزمت على ذلك، إلى جانب علاقات دولية عميقة ومتنوعة مع كثير من دول العالم، لا سيما مع بعض الدول النووية التي قد تقدم خدمات جليلة لها في هذا الشأن متى طلبت المملكة ذلك. بل يذهب البعض أبعد من ذلك بالقول إن امتلاك السلاح النووي هو مهم لدولة في وزن المملكة لها ثقل سياسي واقتصادي وديني مميز. وأنه سيساعدها في المحافظة على دورها الحيوي، على الأقل على المستوى الإقليمي.

من جانب آخر وعلى أرض الواقع، يبدو أن هناك مجموعة من العوامل التي لا تزال تحفز صانع القرار السياسي في المملكة للاستمرار في السياسة النووية السلبية وبالتالي استبعاد أي مشروع نووي في الوقت الحاضر. فمن المعروف للكثيرين أن السياسة الخارجية للمملكة هي سياسة ذات توجهات سلمية وقائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ونتيجة لذلك ليست لديها أي أطماع توسعية، بل على العكس فهي تتحمل العبء الأكبر في أي مشروع سياسي يهدف إلى الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

بعبارة أخرى، ان عدم استغلال المملكة قدراتها الاقتصادية في أي أطماع توسعية كما فعل العراق مثلاً في عهد صدام، هو نابع من الإستراتيجية السياسة السعودية ويتفق مع الصورة الذهنية عن المملكة على المستويين الإقليمي والدولي، فضلاً، عن أن المملكة قد أطّرت نزعتها السلمية المعروفة بالالتزام القانوني، عندما انضمت إلى اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية عام 1988، وهذا ما لقي ترحيباً دولياً كبيراً. وعليه فإن الممكلة ـ على ما يبدوـ لا تريد أن تنكث بتعهداتها الدولية التي ألتزمت بها مما سيعرضها لحرج دولي هي في غنى عنه.

على صعيدٍ آخر، ونظراً للقوة التدميرية الرهيبة والأخطار البيئية الخطيرة للسلاح النووي، فإن اتخاذ أي دولة قراراً بامتلاكها، لم يعد قراراً داخلياً صرفاً بل يهم جميع الدول وكذلك الأفراد على المستويين الإقليمي والدولي. لهذا فإن أي محاولة تقوم بها أي دولة أو حتى إشاعة في هذا الجانب لن يمررها المجتمع الدولي مرور الكرام بل ستكون هناك سلسلة طويلة من المفاوضات، وما قد يعقبها من تفتيش ومن ثم عقوبات. وما يحصل لإيران حالياً مثال مناسب في هذا السياق.

يقول عالم السياسة سكون ساغان في دراسته: laquo;لماذا تبني الدول أسلحة نووية؟raquo; إن هناك إجابة تقليدية على السؤال، هي أن الدول تسعى للحصول على السلاح النووي عندما تشعر بأن هناك تهديداً خارجياً لا يمكن مواجهته إلا بهذا السلاح. لكن الحقيقة المرة أن الحصول على السلاح النووي قد لا يحقق هذه الغاية بل نقيضها، فقد يؤدي إلى ما يعرف بين علماء السياسة بـ laquo;إشكالية الأمنraquo;، ومفادها أنه إذا حصلت دولة ما على السلاح النووي، فإن هذا سيحفز الدولة الأخرى وبالذات الجيران للحصول على السلاح النووي أيضاً. وغالباً بعد حصول الدول على السلاح النووي يتطور السباق إلى الزيادة في إعداد هذا النوع من الأسلحة، وهكذا تستمر عملية السباق المحموم في التسليح إلى آفاق غير محدودة، كما حصل خلال الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي السابق.

لهذا يبدو أن المملكة لا تريد أن تتخذ مثل هذه الخطوة النووية لأنها ستؤدي في النهاية إلى سباق تسلح مع دول أخرى في المنطقة، مستشعرةً في هذا الجانب خطورة البحث عن الاستقرار من خلال السلاح النووي لأنه سيؤدي بشكل أو آخر إلى إنقاص الشعور بالأمن للمملكة ولمنطقة الشرق الأوسط غير المستقرة أصلاً.

وقد عبّر وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل عن هذا التوجه السلمي حيال حيازة الأسلحة النووية في لقائه مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في شباط (فبراير) الماضي، عندما نبّه إلى نقطة بالغة الأهمية تميّز منطقة الشرق الأوسط عن غيرها، وهو أن تجارب التاريخ أثبتت أن أي سلاح وجد في المنطقة سيستخدم يوماً ما. وقد جاء هذا في حديثه عن خطورة المشروع النووي الإيراني، ما يعني أن وجود السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط سيفقد وظيفته التقليدية الأساسية وهي الردع ليتحول إلى تهديد حقيقي للأمن والسلم الدوليين.

إذاً، هل ستكون منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً منطقة الخليج، المسرح القادم الذي سيشهد فيه العالم مخاطر السلاح النووي، إذا ما حور من وظيفته الأساسية laquo;التهديدraquo; إلى أخرى متجددة وهي laquo;التنفيذraquo; بعد تجربته لأول مرة في هيروشيما وناكازاكي؟