يوسف الكويليت

منذ سنوات طويلة ونحن نخوض حرباً مع الإرهاب وقد شهدت أطهر بقاع الأرض نماذج من تفجيراتٍ وتهريب وسائل دمار، لكن المملكة استطاعت كسب المعركة مع أشرس الفئات التي استهدفتها، وقد رأينا قدرتها في كشف الطرود الطائرة التي أنقذت دولاً ووسائل نقل مختلفة، مما وضعها في دائرة الدول التي تملك إمكانات تحرِّ وكشف، واختراقٍ لأخطر خلايا القاعدة، فكان ذلك موضع تقدير وثناء لها..

سمو النائب الثاني، وزير الداخلية، وضع في مؤتمره الصحفي مختلف الاحتمالات لاستغلال الحج لتمرير عمليات ما، أمام حشد ثلاثة ملايين حاج قادمين من بقاع العالم المختلفة، وهو الحشد الذي اعتُبر الأكبر عالمياً، ومع ذلك، فسوابق الكشف عن تلك الخلايا حدثت في مناسبات سابقة وتم إفشالها، ونحن غير قلقين حتى لو كان الإرهابيون لا مبادئ لهم، وهم ممن قاموا بتفجير دور العبادة، واستهداف الآمنين، وحتى الحج يرونه بنفس المنظار العدائي إذ لا يتوانوْن عن عمل أي شيء يعتقدون أنه انتقام من المملكة وهو ما جاء في بياناتهم وتصريحاتهم، ونواياهم السيئة..

المملكة قائمة بكل واجباتها واستعداداتها على أعلى المستويات، لكن ذلك لا يعفي أي دولة إسلامية مِن أن تتحمل جزءاً من مسؤولياتها حمايةً للمقدسات ومواطنيها من الحجيج، بالتعاون مع المملكة في كشف أي شك في حاج أو قادم للعمرة، ينوي عمل أي سوء بإنسانٍ أو منشأة، والعملية ليست استجداءً لأحد، وإنما ذلك واجب طالما الجميع أمام حقل الألغام والاستهداف، وهي مطالب مشروعة إذا كنا أمة إسلامية واحدة، خسرنا الكثير بسبب الإرهاب، ولازلنا ندفع أثماناً كثيرة طالت كل دولة إسلامية.

لقد شهد العالم بكفاءة أجهزة الأمن في المملكة، ولم تكن جهود وخطط سمو الأمير نايف والعاملين معه، تذهب بلا جدوى، وهي التي دخلت المعركة وسجلت أكبر الانتصارات، وهو عمل لم يأت دون معاناة وسهر، ورسم استراتيجيات على أعلى مستويات التحري والتدقيق والمباغتة، ومبدأ الإرهاب أياً كان منشؤه، عن طريق دولة، أو حزب أو منظمة، بهدف سياسي، أو أيدلوجي، أو ديني هو نقيضٌ لأي شرع ومبدأ، وهذه الظواهر بدأت ولن تنتهي طالما أرحام الجريمة في حالة توالد وتكاثر..

كلّ موسم للحج تسبقه استعدادات هائلة على مستوى أجهزة المملكة كلها، ولعل تأمين المكان، وضرورات الغذاء، والدواء، ووسائل النظافة، ومكافحة الأوبئة، وأحمال كبيرة أخرى ترى المملكة أنها في صلب واجباتها تجاه ضيوف الرحمن، ومع اختلاف الوعي والسلوك والأعمار، والبيئات التي ترسل حجاجها، فإن التعامل مع تلك الأجناس وإدراك مطالبهم مع صعوبة التفاهم بلغاتهم ولهجاتهم الغريبة، جعل المملكة تسخّر إمكاناتها بروح المسؤولية الشاملة، ومثل هذا العمل الجبار ليس من الأمور السهلة لكن التجربة، والإرادة والتصميم هي معايير النجاح في كل موسم..