أكضيض زكرياء
يحدّق في العروسة فتطلق، في المقاول فيفلس، في الرياضي فيعتزل...نموذج لما يمكن أن تحدثه quot;عينquot; quot;القواسةquot;، التي لا تفرق بين عربي وعجمي، ولا بين فقير وغني، ولا بين ذكر وأنثى. نظرات مدمرة تصيب الجميع، لا تبقي ولا تذر، مخيفة للبشر، تكشف بالملموس درجة اعتقاد المغربي في قدرة نظرات العين على إلحاق الأذى به وبما يملك، حتى من يعتقد انه لا يؤمن بما يمكن أن تحدثه quot;العينquot;، فإنه لاشعوريا ينتابه الخوف والهلع من quot;القواسةquot;. فبين مؤمن بquot;العينquot; و مكذب بها، يبقى quot;التقواسquot; حاضرا في المخيلة الاجتماعية، ومؤثرا في السلوكات والعلاقات الاجتماعية. هنا أتوقف معكم عند جانب من ممارساتنا اليومية فيما يتعلق بquot;العينquot;، وذلك بتعابير لغة اليومي، التي تنكشف بواسطتها هذه الممارسات، بعيدا عن اتفاقنا أوعدم اتفاقنا مع هذه الأمور.
الغير جحيم!
لا شك أن الغير أقلق الفلاسفة كما أقلق العامة، فهو يعد أيضا من الإشكاليات التي اتخذت حيزا مهما في الكتابات الفلسفية سواء على مستوى ووجوده ومعرفته وطبيعة العلاقة التي ينبغي نسجها معه. فقد شكل هذا الغير بالنسبة لجون بول سارتر جحيما يقلق الأنا باستمرار. فنظرة الغير تفقد الأنا عفويته واتزانه، وتجرده من مقوماته الجوهرية، فهو الذي يتسبب للذات في الخجل، حيث لا يمكن أن يمر الإنسان من هذه الحالة النفسية دون هذا الغير الذي يسعى لاختراق عالم الأنا، اختراق يقوم على نظرة تشييئية، تنظر للأنا باعتباره شيئا كباقي الأشياء لا كذات واعية. هذا الأمر يجعل من الإنسان كائنا منفعلا في علاقته بالغير، يتغير لون بشرته ويتصبب عرقا أحيانا أمام الغير...، علاقة مشدودة بالصراع، فهي ليست مطبوعة على الدوام بالوئام والمحبة، بل العداء والكراهية والحقد هي أجزاء أيضا من هته العلاقة الممكنة والمستحيلة مع الغير. هذا ما يمكن أن يفهم من قولة جون بول سارتر: quot; الجحيم هم الآخر الآخرونquot;.
التمثل الاجتماعي للعين
quot;أواه دغيا دارتي شركة، دغيا نقزتي !!!quot; هكذا عبرquot;القواسةquot;، عندما علموا خبر إقدام حاتم، 25 سنة على خلق مقاولة. فبعد بدايته الموفقة، استبشر حاتم أن الأمور تسير كما خطط لها. غير أنه حل به ما لم يكن في الحسبان، حيث قل عدد زبائنه الواحد تلوى الآخر، عندما داع خبر إنشاء مقاولة في صفوف معارفه. حاتم أشار لسهام quot;القواسةquot; التي أصابته في لقمة عيشه، قائلا: quot; فاش كتراث علي الهضرة ركدت عندي لقضية في شركةquot;، ما اضطره ليغير مكان تواجد مقاولته، ليفلت من قبضتهم. أما مصطفى 26 سنة، الذي تنبأ له مدربه بمستقبل كروي زاهر، انتهى مشواره، عندما أصابته quot;عينquot; من حيث لا يدري، فضاع مستقبله، وارتمى في أحضان البطالة. يقول مصطفى: quot;أنا كنت ألعب لفريق الرجاء البيضاوي بدون افتخار، كنت معروفا في الحي المحمدي، حيث لعبت لسنين لفريق quot;لافارجquot;.بعد نجاحي هذا، أحسست أن بعض quot;القواسةquot; أغاضهم ما حققته، فأصابوني بأعينهم من حيث لا أدري، وما هي إلا لحظات حتى توقف مساري الكروي إثر مشاكل طرأت لي مع المدرب الذي ارتأى عدم إشراكيquot;. وفي السياق ذاته، يشير جمال 29 سنة، أستاذ التعليم الثانوي إلى إصابته بأذى أحد الأساتذة quot;القواسةquot;، عندما خاض غمار تجربة فريدة، تتمثل في تدريس اللغة العربية بالمعلوميات. إذ كانت عين quot;القواسquot; السالف الذكر حسب جمال سببا في انتقاله من مؤسسة جيدة إلى أخرى تنعدم فيها ظروف العمل.
تقول فاطمة، 49 سنة: quot;نصف لموتا ديال غبيلة قاتلهم لعينquot;، وتضيف أن العين تذهب النعم، وتسبب الأمراض، وتفتك بالإنسان. هنا تحكي فاطمة ما حصل لابنتها أمية في طفولتها، قائلة:quot; أصابت ابنتي الصغيرة quot;عينquot;، وهي التي كان قد هباه الله في طفولتها شعرا أصفرا جميلا، أصابته نظرات أحد quot;القواساتquot; التي زارتني. ولم يمر وقت طويل حتى أصيبت ابنتي بمرض جلدي في رأسها، أسقط لها جل شعرها. ومنذ تلك الآونة، تغير لون شعر بنتي وفقد جماله الأوليquot;. وفي سياق متصل، يحكي عادل ما فعلته أعين الشر في أخته الصغيرة، قائلا: quot; تعودت أختي الصغيرة الذهاب للمرحاض منذ نعومة أظافرها، ما أثار استغراب أحدquot; القواساتquot; التي زارتنا، قائلة: أواه باق صغيرة أو كتمشي للمرحاض !! quot;. منذ ذلك اليوم، أصبحت أختي لا تتحكم في خروجها إلى يومنا هذا.
quot;القواسquot; ؟؟
quot;الويل لمن أشارت إليه الأصابع ولو بالخير quot;،quot;خمسة وخميس في عين العديانquot;، quot;الحسود لا يسودquot;، quot;عين لحسود فيها عودquot;، quot;شكيكوquot;، quot;شوفيا بعين الرحمةquot;، quot;شوف أو ماتحضيشquot;...قاموس من الأمثال والتعابير، يتم تداولها للتعبير عن حالة الخوف والهلع التي تنتاب المغربي عندما تلفته أنظار أحد quot;القواسةquot;. ما يجعله يعيش دوما حالة طوارئ قصوى، تأهبا لأي أذى يصيبه من quot;الأعينquot; الشريرة التي تطارده أينما حل وارتحل. إذ يمتلك quot;القواسquot; في المخيلة الاجتماعية قدرة خارقة، تقذف بها عينه، صوب كل من تغير وضعه، سواء ازدادت ثروته أو تحسن شكله أو حضي بمكانة دون غيره. فيتمنى quot;القواسquot; زوال نعمة الآخر للظفر بها لنفسه. ويميز quot;حاتمquot; بين صنفين من quot;القواسةquot;: quot;كل واحد عندو الضربة تيالوquot;، صنف يعرف شره، وصنف يصيب في الخفاء. ومن الممكن أن يكون الصنف الأخير من quot;القواسةquot; حسب عادل من أقرب الناس للمصاب، فإما أنquot; يعينquot; نفسه، أو ماله، أو أهله من غير إرادة منه. هنا يشير عادل لquot;عين لمحبةquot;، التي تصيب الأبناء من فرط محبة الوالدين لهم عن غير قصد. أما الصنف الأول، فيكون معروفا بين الناس. إذ يكون حاضرا حسب quot;محمدquot; 25 سنة، في غالبية الحوادث والمصائب المؤلمة. في حين عزيز 24 سنة، تقني، يعرف quot;القواسquot; بأنه ممن يكن حقدا دفينا لضحاياه، لا يظهره، لكنك تحس بعدم الارتياح عند مخالطته. أما quot;جمالquot;، فقد اعتبر quot;القواسquot; شخصا مريض وحسودا، غير مهتم بنفسه، همه الوحيد متابعة مستجدات الآخرين وquot;التقواسquot; عليهم، والتلذذ بمعاناتهم. ولكن ما يميزquot; القواسquot; حسب مصطفى، هو إحساسه بالضعف الذي يولد لديه فعل الانتقام، مضيفا هنا ما تعرض له أحد إخوته، قائلا: quot;بعد تخرج أخي من مركز تكوين أساتذة الرياضة، غمرت الفرحة أفراد أسرتي، فداع خبر تخرجه بين معارفنا، وفعل quot;القواسةquot; ما فعلوه. ولم يمر زمن طويل، حتى تكسر أخي من رجليه وكتفه. إذ لم نراعي أثناء تخرجه أن لا يذيع خبره بين الناسquot;.
يرتبط quot;القواسquot; في المخيلة الاجتماعية بذلك الإنسان الذي يمتلك قوة غير مرئية قادرة على إحداث أضرار بليغة بالمصاب.فكما عرفته فاطمة بلغتها البسيطة هو ذلك الأناني والنمام، الذي يتكلم وراء ظهور الناس، ويتابع جزئياتهم، حيث يكون معروفا بينهم، فتشير إليه الأصابع بضرورة تجنبه، والاحتياط منه، وتقول فاطمة هنا : quot; كنتهربوا منو ماكنوروهش بزاف ديال الحوايج، حيث عينيه خيبة. ديما كنبقاوا حاضين معاهquot;، وتضيف: quot;إلى دخل عندك quot;لقواسquot; للبيت، كتوقع ليك شي حاجة في الدار، إما تشعل لعافية ولا يمرض عندك شي واحدquot;.
مضادات quot;التقواسquot;!!
لحماية المولود حسب فاطمة، فإن أمه تهيئ له quot;وديعةquot;، تعدها من جلد أضحية quot;سبوعquot; الطفل المزداد، وتملأها بquot;الشبةquot;، وquot;الحرملquot;، وquot;الشعيرquot;، وquot;الملحةquot;، وتعلقها للطفل الصغير في عنقه لحفظه من quot;العينquot;. وعندما يكبر الطفل تحتفظ أمه بالوديعة في ملابسها، حتى لا ينفذ مفعولها. وتضيف فاطمة، قائلة: quot; الزيادة كنعوموها وكنبخروها بالشبة والحرمل باش تبعد منها العينquot;. وفي السياق ذاته، يبطل اللون الأسود أيضا مفعول العين، لذلك تعلق الأمهات لأبنائها الصغار quot;خميسةquot; سوداء على الجبين أو في معصم اليد بواسطة خيط أحمر، كما يلقون في ثياب رضعهم quot;صرةquot; من ثوب أسود، وذلك حفظا لأبنائهم من العين الشريرة. وتتعدد آليات صد الأعين الشريرة، فالبعض يلجأ لحيوانات يقال أنها تبطل مفعول quot;التقواسquot;، كالسلحفاة البرية التي تدجن وتترك في البيت لطرد الأعين، والهيكل العظمي لquot;رأس الحمار الميتquot;، الذي يعلق في البيت لإبطال فعالية الأعين الشريرة.
ولا تصيب quot;العينquot; البشر فقط، بل تمتد سهامها لتصيب الأشياء، التي قد تتلف وتتفتت. فكثيرا ما ترسم الأكف و الأعين، ويكتب إلى جانبها عبارة quot;عين الحسود فيها عودquot; على الشاحنات، وتعلق quot; خميسةquot; والتعاويذ في السيارات، وتلصق quot; صفيحةquot; الحصان على الجدران و أبواب المنازل لكف أذى quot;القواسةquot;. كما يحمل الرجال quot;خميسةquot; معدنية في أعناقهم أو رصاصة نحاسية مملوءة بquot;الشبةquot; وquot;الحرملquot;. هذه الاحتياطات تجعل الفرد مترددا في إفصاحه عن ما بداخله وما ينوي فعله للآخر. هذا ما أشار إليه حاتم ، قائلا: quot; بنادم ماخاصوش يعرف آش كاين تحث راسكquot;، ويضيف بأنه لا ينبغي أن يكون مظهرك مثيرا بشكل مفرط، بل ولا يجب أن تظهر أثر quot;النعمةquot; عليك، مضيفا كذلك بأنه من الضروري الاستعانة على قضاء الحاجات في السر والكتمان. فquot;القواسquot; يصطاد فريسته ممن يتجاوز الحدود التي أشار إليها حاتم. أما جمال فيقرأ أذكارا تحفظه من العين قبل أن يخرج صباحا لعمله، ويضيف، قائلا: quot; أنا أوجه نصيحة للquot;قواسةquot;، لكي يهتموا بأنفسهم بدل تتبع عيوب الآخرين، فأكيد أنهم عليه الاهتمام بأنفسهم لا بالآخرينquot;.
للمصاب بالعين علاج
إذا أصيب أحد بquot;العينquot;، فلابد له حسب quot;حاتمquot; من زيارة أحد الفقهاء، لكي يعالج مما ألم به، حيث يشربه الفقيه ماء يعيده بذلك لحالته الطبيعية، وذلك بعد رقيته. هذا ما أشار إليه quot;سمحمدquot; الفقيه، 50 سنة، قائلا أن ممارسته quot;للرقياquot; لمدة 15 سنة، لم تأت بمحض الصدفة، بل إنه زاولها على يد شيخ متمكن في علاجquot; المسquot;، وquot;السحرquot;، وquot;العينquot;، حيث لقنه شيخه لمدة خمس سنوات طريقة العلاج، إلى أن لمس فيه الكفاءة اللازمة، فرخص له بالممارسة، و يضيف بأنه ما زال مرتبطا بشيخه، فهو مرجع بالنسبة إليه في بعض الحالات التي يستعص عليه علاجها، لأنه راكم تجربة كبيرة في الميدان. كما يوضح quot;سمحمدquot; بأن أي شخص يريد مزاولة هذه المهنة، لا بد له من التحلي بquot;المعقولquot;، لأنه سيدخل في صراع مع عالم لا نراه، ولابد له أيضا أن يحصن نفسه وأهله، قبل أن يقبل على علاج الحالات المصابة.
quot;الإنسان الذي يرى غيره بعين الحسد، يصيب الآخرين بأذى سواء بقصد أو بغير قصد. ولكن الذي يصاب في الغالب هو الشخص غير المحصن quot;، هكذا يصف quot;سمحمدquot; حالة المصابين بquot;العينquot;، والأعراض التي تبدوا عليهم ، قائلا: quot;كيجيه لعياء، كيضيق عليه صدرو ، ويقدر يبدى يشوف شي أحلام مزعجة. هذا باش كنعرفوا المصاب بالعينquot;. هذه أثار أولية تكشفها quot;الرقياquot; للمعالج، حتى يتمكن من تمييز حالة المصاب بالعين عن حالات الجن و السحر. أما بخصوص علاج المصاب بالعين فإن لquot;سمحمدquot; طريقتين في العلاج: اغتسال الفاعل بالماء، ليمد نفس الماء في مرحلة ثانية للمصاب ليغتسل به. فأمام صعوبة تحديد الفاعل حسبquot; سمحمدquot; في العديد من الحالات، فإنه يعالج في الغالب بالرقية، حيث يقرأ مجموعة من الأذكار على كمية من الماء، ليسلمه للمصاب، ليغتسل به لمدة سبعة أيام، وليرفق الاغتسال بالمداومة على تلاوة الأذكار.
التعليقات