يعقوب أحمد الشراح

ليس للسياسة طريق أو باب واحد أو حتى لون محدد فالطرقات كثيرة والألوان مختلفة، والمصالح متبدلة، والقوة للغالب، النزاع السياسي بين الحزبين الاميركيين laquo;الجمهوريraquo; وlaquo;الديموقراطيraquo; قائم على الاختلافات في الاساليب والاستراتيجيات التي تحقق مصالح الامة الاميركية، فأي حزب من الحزبين لايعمل على نحو مخالف للدستور، رغم ان الوسائل المتبعة للوصول الى الغايات متعددة لكن الهدف العام واحد، لقد اختار الشعب الاميركي اوباما رئيسا له وهو من laquo;الحزب الديموقراطيraquo; وعندما جرت الانتخابات النيابية اكتسح laquo;الديموقراطيونraquo; غالبية المقاعد لاسباب مختلفة منها الازمة المالية العالمية التي كانت كالمطرقة التي نزلت على رؤوس laquo;الجمهوريينraquo; كل ذلك انصب في صالح اوباما الذي كسب الرئاسة واستطاع ان يأخذ موافقة المجلس النيابي والكونغرس على مشاريع مفصلية في الحياة الاميركية مثل الرعاية الصحية والاصلاحات المالية.
اما الان فكما يبدو، تغير هذا الواقع بعد ان اكتسح النواب laquo;الجمهوريونraquo; في الانتخاب الاخير (60) مقعدا كان laquo;الديموقراطيونraquo; يشغلونها في مجلس النواب، كما ان laquo;الجمهوريينraquo; اطاحوا برئيسة المجلس وهي laquo;الديموقراطيةraquo; نانسي بيلوس من السلطة واصبحوا يقودون رئاسة لجان المجلس، ولقد وصف الرئيس اوباما نتيجة انتخابات المجلس النيابي الاميركي بأنها كارثة على laquo;الديموقراطيينraquo; وانها هزيمة منكرة.
والسؤال: ماذا بعد اقرار هذه النتائج بالنسبة لـlaquo;الديموقراطيينraquo; خصوصا رئيسهم اوباما الذي، وكما يبدو، سيواجه صعوبات بالغة ليس في السير في حصوله على موافقات المجلس على مشاريعه المقبلة وانما ايضا قدرته على مواصلة تنفيذ ما تم اقراره في السابق، خصوصا في قطاعي الرعاية الصحية والاصلاحات المالية، صحيح ان سياساته المالية في العامين الماضيين من ولايته ساعدت على انقاذ اميركا من فصل آخر من الكساد الكبير، وانه ناضل من اجل اقرار قانون الرعاية الصحية الذي يرتكز على تحجيم ارتفاع كلفة الرعاية الصحية لكنه وامام سعيه انخفضت الكلفة المالية في هذه الجوانب رغم انه استمر في معركته على افغانستان وباكستان لدرجة ان المحللين العسكريين والسياسيين يرون انها اشد ضراوة واستدامة مقارنة بأيام الرئيس بوش، وستكلف الخزانة الاميركية اموالا تزيد من معاناة دافعي الضرائب في اميركا.
ومما يزيد الامر تعقيدا ان الحرب في افغانستان وفق آراء القادة العسكريين الاميركيين ومنهم الجنرال ديفيد بترايوس لا تبدو لها نهاية، ولا احد يعلم موعد وقف الحرب على وجه الدقة. فالخسائر كبيرة وهي اشبه بحرب عصابات، هذا في الوقت الذي يدرك فيه الاميركيون جيدا انهم سئموا مثل تلك الحروب الطويلة، وتجربتهم في حرب فيتنام تؤكد لهم عزوفهم عن خوض حروب اخرى مماثلة، خصوصا وان laquo;طالبانraquo; تحارب بقوة وتعيد ترتيب صفوفها وخسائرها في كل مرة، كما انها تلقى التزييد والدعم من المناصرين لها في الدول المجاورة لافغانستان.
لاشك ان انتصار laquo;الحزب الجمهوريraquo; في انتخابات المجلس النيابي الاخيرة وهو حزب يركز على السياسة الخارجية اكثر من اهتمامه بالداخل سيعيق الكثير من القرارات المتوقعة للرئيس اوباما في المستقبل، خصوصا في مجال فرض الضرائب والاستمرار في قانون الرعاية الصحية وقضايا التلوث البيئي وغيرها، وسيكون الانحياز لسياسات اسرائيل أكثر بكثير مما هو عليه الان.