حسن عبدالله جوهر


تقرير الخارجية الأميركية حول أوضاع الشيعة في الكويت ليس بجديد ولم يكشف عن أسرار خفية لأول مرة حتى تقوم هذه الضجة الإعلامية التي شهدناها خلال اليومين الماضيين وردود الفعل الغاضبة، ولا يعتبر هذا التقرير وثيقة حصرية على دولة الكويت حتى يتهم بالتدخل السافر في شؤوننا الداخلية!

فالدراسات والتقارير التي تعدها المؤسسات الأميركية بخصوص الأقليات الدينية والأوضاع السياسية في العالم لا تنحصر فقط في وزارة الخارجية، بل تشمل أيضاً وكالة المخابرات المركزية (السي آي إيه) والكونغرس إضافة إلى العشرات من مراكز البحوث والمنتديات والصالونات ودور النشر شبه الرسمية والخاصة، وإلى جانب الحكومة الأميركية هناك تقارير مشابهة تعدها الدول الكبرى ومنها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا كما بدأت دول مثل الصين واليابان بذات النهج لرصد الشؤون والسياسات المحلية في دول العالم المختلفة، خصوصاً في الدول النامية بغرض فهمها بدقة ووضع قراراتها وعلاقاتها الخارجية بناء عليها.

ولكن تظل التقارير الأميركية هي الأهم من بين كل هذه التحليلات كونها الدولة الأكثر تأثيراً ونفوذاً في السياسة الدولية، وتستند الإدارة الأميركية في ذلك على ركيزتين الأولى، محاولة إثبات مصداقيتها المهزوزة في دعم الحرية والديمقراطية في العالم، خصوصاً ما يتعلق بحقوق الأقليات دينية كانت أم عرقية، والثانية ولعلها الأهم، تحديد مواقع الضعف لدى الدول الأخرى لاستغلالها كورقة ضغط سياسية في علاقاتها الدبلوماسية متى وكيفما تشاء.

ولعل التقارير السنوية لوزارة الخارجية الأميركية ومنذ عقود من الزمن بشأن الكويت لا تقارن في حجم انتقاداتها مع ما يكتب عن الأوضاع الدينية في الصين التي تعتبر أكبر دول العالم من حيث عدد السكان والقوة الاقتصادية، كما أن الاهتمام الأميركي فيما يخص أوضاع الشيعة في العالم العربي ومنطقة الخليج على وجه الخصوص قد بدا لافتاً خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديداً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر!

وعوداً إلى التقرير الأميركي بشأن الكويت والحالة الشيعية فيها، فيجب التعامل معه من زاويتين مهمتين، فمن جهة يمكن اعتبار هذا التقرير بمنزلة حق يراد به باطل، فـ'الأمريكان' في الحقيقة هم آخر من يتبجحون بالدفاع عن حقوق الشعوب والأقليات خصوصاً الشيعة منهم، فمنذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن لا تكاد ضحايا السياسة الأميركية في العالم الإسلامي تحصى بسبب الدعم المطلق للحكومات العميلة لها ورعايتها الدائمة لها بالمال والعتاد والمعلومات الاستخباراتية والانقلابات العسكرية التي تحولت إلى سلطة دكتاتورية بمباركتها، وليست منصات الإعدام والسجون والمعتقلات وسياسة الملاحقة والتشريد إلا صورا من مآسي الشعوب التي تقبع تحت الهيمنة الأميركية، وبالنسبة للشيعة خصوصاً لا يعلم إلا الله كم منهم لاقوا حتفهم على يد صدام حسين أيام السمن والعسل مع 'الأمريكان' وبأسلحة دمار شامل مصنوعة في الولايات المتحدة والدول الحليفة لها!

كما يكفي ما يتعرض له الفلسطينيون واللبنانيون على مدى نصف قرن من جراء السياسة الأميركية، ياليت الخارجية الأميركية تزود العالم بتقرير يوضح عدد الضحايا من المدنيين والأطفال والنساء الذين تناثرت أشلاؤهم من القنابل والصواريخ الأميركية من الفلسطينيين وشيعة لبنان!

أما الزاوية الأخرى التي يجب أن ننظر إليها في التقرير الأميركي بجدية فهي مدى مصداقية ما أورده من معلومات بشأن أوضاع الشيعة في الكويت، وهنا قد لا نحتاج أصلاً إلى شهادة 'الأمريكان' قي إثبات بعض صور التعسف في بعض السياسات الحكومية أو مزاجية بعض أصحاب القرار في الإدارات الحساسة، ومنها السلكان العسكري والدبلوماسي ومراكز القيادة الوسطى والعليا في الجهاز الإداري ككل، حيث نسب التعيين فيها بالنسبة للشيعة محدودة، وهنا بالطبع لا نتحدث من منطلق المحاصصة الطائفية كما يحلو للبعض، ولكن من باب الكفاءة الوطنية والحقوق الدستورية، فالبلد بلا شلك يعاني مرض الطائفية، كما يعاني أمراض القبلية والفئوية وكل أنواع الفساد الإداري والمالي، ولا نود الخوض في لغة الأرقام والإحصاءات لأنها قد تزيد من الاحتقان وحالة التعصب التي بلغت مرحلة متقدمة وخطيرة.

ولهذا وحتى لا نعطي المبررات الواهية لـ'الأمريكان' أو غيرهم في التحدث عن خصوصياتنا، يجب معالجة مثل هذه الاختلالات بروح من المسؤولية الوطنية وفي إطار الدستور والقانون، وهناك حزمة من المقترحات التشريعية التي من شأنها معالجة مثل هذه المشاكل ليس للشيعة فقط، بل لعموم أبناء الكويت سواء في شغل الوظائف العامة والتدرج فيها، أو القبول في المؤسسات السيادية أو الحقوق الدينية، ومنها بناء المساجد وتطوير المناهج الدراسية، حتى لا ننتظر منّةً من الحكومة الأميركية التي كان الشيعة ألد أعدائها منذ بداية الثمانينيات ثم تبدل هذا العداء تجاه السنّة بعد ظهور 'القاعدة' و'طالبان' وقد تنعكس الآية مجدداً في المستقبل!