محمد صالح المسفر


في نهاية الأسبوع الماضي استقبلت دولة قطر الرئيس حسني مبارك في زيارة ر سمية دامت يومين كان اثناءها محل حفاوة بالغة من أخيه سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. ولعل هذه الزيارة قد أزاحت عجاج الاختلاف في وجهات النظر حول كثير من القضايا العربية. في هذا الإطار لا بد أن نكون في مستوى الخلق الرفيع والأدب السياسي المتميز الذي عودنا عليه أميرنا حمد بن خليفة آل ثاني وننضم إلى سموه بالترحيب بضيف أميرنا فخامة الرئيس حسني مبارك ونقدر له زيارته لبلادنا بعد جفوة ما كنا نتمناها. لست متأخرا في الترحيب بفخامة الرئيس حسني مبارك في قطر فترحيبنا به ماضيا وحاضرا ومستقبلا كلما كان منحازا لقضايا امتنا العربية .
بعد هذه المقدمة فإنني ما زلت عند موقفي السابق من التشاؤم كلما خرج الرئيس حسني مبارك إلى خارج شرم الشيخ ـــ وهذا لا ينفي واجب الترحيب به ـــ خرج متجها نحو بعض دول الخليج العربية عشية انعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي، وتعودنا في الماضي قبل احتلال العراق في مثل هذه المناسبة أن يزورنا في الخليج عشية انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي بعض وزراء دفاع دول حلف الناتو، أو وزراء خارجياتهم أو شخصيات قيادية عليا، اختفت تلك الزيارات وجاءنا الرئيس مبارك، فماذا عساه أن يقول؟
البيئة السياسية العربية أثناء زيارة الرئيس مبارك الخليج العربي مضطربة، إذ صرح رئيس أركان الجيوش الأمريكية المشتركة الجنرال مايكل مولن بان تهديد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمواصلة هجماته على أمريكا 'جد جدا'، لقد عززوا صفوفهم وهذا أمر خطير، واليمن علينا أن نركز عليه (الشرق 23/ 11). زيناوي اثيوبيا فاجأ الكل إبان زيارة الرئيس مبارك للخليج بالقول 'أن مصر لا يمكنها أن تكسب حربا مع اثيوبيا ( .... )'، ويتهم قطر بان لها موقفا سلبيا في القرن الافريقي. الوضع في جنوب السودان يسوء يوما بعد آخر، القرن الأفريقي تعتصره الأزمات، لبنان في مفترق الطرق، العراق يتجه نحو تصعيد أزماته بفعل ما أنتجه الاحتلال من نخب سياسية عميلة، واليمن أمرت أمريكا بالاهتمام به عسكريا، محادثات السلام الفلسطينية ــ الإسرائيلية قضت إسرائيل على كل بادرة أمل وأحرجت العرب كلهم ومصر على وجه الخصوص، الشريك الفعال في حصار الفلسطينيين في غزة بالتعاون مع الاسرائيليين .
السفير المصري في الدوحة قال لوكالات الأنباء 'إن زيارة مبارك ستتناول، إلى جانب أمور أخرى، القضايا التي تهم المواطن العربي في فلسطين والعراق والسودان ولبنان'، وفي البحرين قال الرئيس بلسانه: 'أدعو السلطة الفلسطينية للاستمرار في المفاوضات مع إسرائيل ــ المواطن العربي لم يعد يهتم بالمفاوضات مع اسرائيل ـــ لان توقفها سيمكن إسرائيل من إقامة المستوطنات على ارض فلسطين كافة بحيث لا تبقى ارض تقام عليها دولة فلسطين الموعودة'. وزير خارجية مصر قال في البحرين 'يجب أن نترك العراق في حاله، وكذلك لبنان، ويجب أن لا تتعرض إيران للبحرين بأي شكل من الأشكال'.
في هذه الأجواءغير الطبيعية كان المواطن العربي يعتقد أن خروج الرئيس مبارك من الشرم إلى الخليج العربي سيعلن رفع الحصار عن غزة والى الأبد، وكنا نتوقع من زيارته أن يعلن رفض إجراءات ما يعرف بمحكمة الجنايات الدولية سواء في لبنان أو السودان، وكنا نتوقع من الرئيس حسني أن يجمد العمل باتفاقية كامب ديفيد الملعونة، وهي في واقع الأمر انتهت صلاحياتها ـــ حتى تذعن إسرائيل وأمريكا لإرادة المجتمع الدولي في الشأن الفلسطيني، كنا نتوقع منه أن يستدعي السفير المصري من تل أبيب احتجاجا على التعنت الاسرائيلي تجاه المبادرات العربية، كنا نتوقع أن يحيي المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق بدلا من أن يدعو السلطة والفلسطينيين للاستمرار في قبول الصفعات الإسرائيلية بشكل يومي .ماذا تعني الدعوة التي أطلقها وزير خارجية مصر من البحرين 'سيبوا العراق في حاله، اتركوا لبنان في حاله' هل هي دعوة أمريكية على لسان عربي بعدم الاهتمام بالشأن العراقي عربيا ونتركه تنهشه أمريكا باتفاقياتها المجحفة وإيران بنفوذها المتسلط في العراق؟ ونعود كما كنا في عام 2003 نبشر بعصر جديد في المنطقة؟ هل الدعوة لترك لبنان في حاله تعني القبول بتمرير اتهامات المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بالحريري، ونترك لبنان يعيش في أتون حرب أهلية شرسة تعد له من الخارج والداخل؟ كنا نتوقع ان الرئيس حسني جاء الى خليج العرب ليدعو دوله العربية لاستخدام البترول والغاز العربي اداة ضغط لتحقيق مصالح امتنا العربية والاسلامية كما فعلنا عام 1973. آخر القول: الله يستر، الرئيس خارج شرم الشيخ.