عبدالله السويجي

تنعقد قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اليوم في ظروف محلية وإقليمية وعربية وعالمية بالغة التعقيد، فمن المحلي ما يتداخل بالإقليمي، ومن الإقليمي ما يتداخل بالعربي، ومن العربي ما يتداخل بالعالمي، فلا مبالغة إن قلنا أن مشكلة الخلل في التركيبة السكانية هي نتاج أزمة عالمية، أو إن الأزمة المالية العالمية، والكساد الاقتصادي يتداخل في الأمور المحلية، ولا غرابة في القول إن أي مشكلة إقليمية تؤثر في مشاريع محلية قد تكون صغيرة، والعكس . وما يزيد الأمر تعقيداً أنها لا تنحصر في جانب محدد من الحياة، وإنما قد تشمل جميع جوانبها، فالاقتصادي يتداخل بالسياسي، والاجتماعي المحلي يتداخل بالعولمي، حتى إن قوانين الأحوال الشخصية صار لزاماً عليها أن تأخذ في الاعتبار حركة المجتمع العالمي في هذا الشأن .

من الطبيعي القول إن قمة دول مجلس التعاون الخليجي لن تتعرض أو تتطرق إلى هذه الإشكاليات أو تعالجها، وإن تضمّن البيان الذي سيصدر في ختام جلساتها توصيات تخص قضايا إقليمية أو عربية أو عالمية، هذا لأن الفصل بات صعباً في القضايا الجوهرية بين ما هو محلي وما هو خليجي أو عربي أو عالمي، وقد نشأ كل هذا التداخل جراء امتداد رقعة الملعب الذي تلعب فيه القوى الرئيسة في العالم، ويشمل هذا معنى التدخل في شؤون الآخرين، بينما يفسره اللاعبون بالمصالح القومية والأمن الوطني، وهو ما قسّم العالم في الظاهر إلى ثلاث كتل، الكتلة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون وبعض العرب، والكتلة التي تقودها الدول المناوئة للكتلة السابقة وتتهم بالإرهاب والتطرق وزعزعة الأمن العالمي، وكتلة تظهر حيادية وتشمل روسيا والصين واليابان وعديد من الدول الآسيوية، إلا أن الواقع في الجوهر لا يشبه تماماً هذا التقسيم، ولا يعني الفصل التام بين الكتل، إذ على الرغم من المواجهة الظاهرية يحدث تعاون اقتصادي وسياسي وصناعي وعسكري، وتتصارع مصالح الدول في الكتلة الواحدة، وهو الأمر الذي يفسره المحللون على أنه يمنع حسم الصراع في المدى المنظور، إذ كل يبحث عن مصالحه، وعلى رأسها المصلحة الاقتصادية، ومن هنا، تكتسب دول الخليج العربية بشكل خاص، والدول التي تطل على الخليج العربي بشكل عام، أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية، إلا أن دورها وثقلها لا يوازيان أهميتها، ولهذا ربما تظهر بين الحين والآخر مشاعر عدم الثقة، ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً، وما قد يجعل القوى الكبرى الرئيسة، تتخذ قرارات تجهلها المنطقة، على الرغم من أنها تتعلق بمصيرها كدول ومصير مسيرة التنمية التي قطعت اشواطاً كثيرة .

إن التحديات المشتركة التي تواجهها قمة دول مجلس التعاون الخليجي تتجسد في الآتي:

* أولاً: الخلل في التركيبة السكانية وانعكاسه على الأمن الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي .

* ثانياً: عدم تحقيق مجلس التعاون لطموحاته في العملة الموحدة، وتعارض بعض الاستراتيجيات السياسية والتحالفات .

* ثالثاً: بناء القوى المتطرفة قواعد لها في المنطقة، وهناك من يعترف بوجود خلايا نائمة يمكنها أن تتحرك في الوقت المناسب .

* رابعاً: الآثار السلبية لأزمة المال العالمية والكساد الاقتصادي، الأمر الذي هز بعض القوى الاقتصادية في المنطقة، والذي لن تتعافى منه إلا بعد سنوات قد تكون طويلة .

* خامساً: القلق المتنامي من حدوث مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها في منطقة الخليج وفي لبنان وفلسطين والأردن واليمن من جهة ثانية . وهذا القلق تعيشه كل دولة خليجية حسب موقعها وعلاقاتها واستراتيجياتها، ولاسيّما أنها قد لا تستشار في القرار، وتخشى أن تُعلم به فقط، وعندها قد تحدث الكوارث .

* سادساً: القلق المتنامي من وجود عناصر قواعد للقوى المتطرفة على حدود دول التعاون، وتحديداً من تعاظم قوة الحوثيين في اليمن، الذين دخلوا في صراع مسلح مع الجيش السعودي قبل شهور قليلة .

* سابعاً: مطالبة دول الخليج الغنية في المساعدة لدعم بعض القوى الاقتصادية التي تأثرت بالأزمة العالمية، أو قيامها من تلقاء نفسها بتقديم المساعدة، كما حدث حين قدمت الإمارات دعماً مالياً لباكستان ودول أخرى .

ثامناً: فشل المفاوضات الفلسطينية ldquo;الإسرائيليةrdquo; وما تلقيه من ظلال على الاستقرار العربي وبالتالي الخليجي .

إن كل ما تقدم قد يحتم على قادة مجلس التعاون اتخاذ قرارات حاسمة وواضحة، وتنفيذها على الفور، لأن هذه التحديات لا تحتمل التأجيل ولا تحتمل خططاً طويلة المدى، فتداعياتها قد تكون قاب قوسين أو أدنى، فالمنطقة تغلي بها ولا تعيشها فقط، ويتحتم أيضاً، أن تعي شعوب المنطقة هذه التحديات بشكل جيد، وأن تشارك بطرق مختلفة، على الصعيد الفردي والمؤسساتي والجماعي، بترسيخ هذا الوعي والتصرف بناء على أهميته، ومن بينها التخلص من النمط الاستهلاكي في الجوانب كلها، وتشمل المالي والطاقة والمائي وحتى الزمني، فلا أحد يدري، إذا ما شب حريق في المنطقة، لا سمح الله، إلى اين سيمتد لهيبه، فالمنطقة تطفوا من الناحية الاستراتيجية الأمنية على بحيرات من النفط، وكلنا يتذكر حرائق الكويت والعراق .

قادة دول التعاون في حاجة إلى الدعم الشعبي والمؤسساتي، من دون ذلك لن تنجح القرارات ولن تنفذ التوصيات، كما تحتاج من الدول العربية الأخرى وحكومات العالم الكبرى، أن تتفهم خصوصية هذه الدول، وطبيعتها الاجتماعية والجغرافية والديمغرافية، إذا أرادت تجنب ركود اقتصادي عالمي كارثي جديد .