عيسى الشعيبي

لم يكن الهجوم الانتحاري الفاشل في قلب العاصمة السويدية، أوائل الأسبوع الحالي، صدمة لشعب تلك الدولة الاسكندنافية المسالمة وحده، ومثار استهجان وموضع علامتي استفهام وتعجب كبيرتين من جانب أكثر الشعوب الأوروبية تعاطفاً مع القضايا العربية وتفهماً لها، وإنما كان أيضاً صدمة مضاعفة ومحل استهجان شديد للكثيرين في هذه المنطقة من العالم، حيث كان السؤال الذي لا سؤال غيره: لماذا السويد على وجه التحديد؟

إذ كان من المحتمل أن يمتنع أشد المجاهرين معارضة لمثل هذه العمليات الإرهابية عن التعليق على الحادث لو أنه وقع في دولة ذات إرث استعماري بغيض في بلادنا، أو كان ضد عاصمة تشارك في احتلال العراق، وتشد على يدي بنيامين نتنياهو، وتنتهج سياسات معادية للعرب والمسلمين، أما أن يكون هذا العمل غير المفهوم وغير المبرر بكل المعايير، بل والمدان أيضاً، ضد بلد مثل السويد وهو بوابة الاعتراف الأوروبي المبكر بعدالة القضية الفلسطينية، فتلك مسألة أخرى تقتضي التوقف ملياً وطرح السؤال ذاته مرة أخرى: لماذا السويد أيها quot;المجاهدونquot;؟!

ولعل الذريعة التي حاول بها الواقفون وراء الانتحاري العراقي الشاب تيمور عبد الوهاب تبرير فعلتهم الطائشة ضد الدولة الحيادية الأولى في العالم، على أنها دولة تشن الحرب على الإسلام، كانت مثالاً تطبيقياً آخر من تلك الأمثلة الدالة على انعدام الرؤية، وسخافة الدوافع، وعدمية الخطاب الذي لا يكف عن استنساخ مزيد من الصور المسيئة ليس فقط للعرب والمسلمين، وإنما لمفهوم الجهاد أيضاً، ناهيك عن إلحاق مزيد من التشويه بصورة يشكو أصحابها من تعمد الغرب تشويه صورتهم على خلفية كراهية عنصرية قديمة منذ عهد صلاح الدين.

ذلك أن وجود نحو أربعمائة جندي سويدي عاملين في أفغانستان، ستنتهي مهمتهم غير القتالية بعد نحو أسبوعين، كان أتفه من كل طرح يمكن به ومن خلاله تسويغ هذا العمل الإرهابي، الذي راح أحد المواقع الإلكترونية، يسمي نفسه quot;شموخ الإسلامquot; يتباهى بسبق نشر الخبر وإظهار صورة مقترف هذا العمل الذي كان دويه أكبر من نتيجته المباشرة، كمظهر من مظاهر الشموخ لأمة تحتاج إلى غير مثل هذه الارتكابات الحمقاء للفخر بأمجادها والإدعاء بشموخها.

على أن ما نود أن نشير إليه في سياق مثل هذه الأفعال العمياء المقترفة باسم العرب والجهاد والإسلام، هو هذا الصمت المريب الذي يواصل الالتزام به الوعاظ والأئمة والمفتون وغيرهم من المراجع الدينية إزاء أشد الممارسات إساءة لبني قومهم وأتباع دينهم، وأكثرها مجلبة للشبهة، حتى لا نقول الاضطهاد لملايين العرب والمسلمين الذين فروا إلى الغرب بحثاً عن الحريات أو العلم أو العمل في بلاد quot;الكفارquot;، وذلك على نحو ما فعله تيمور نفسه الهارب من جحيم العراق.

وقد تكون هذه الفعلة الإرهابية الوضيعة من كل الجوانب والوجوه، مناسبة مواتية لإعلاء الصوت من ذوي المقامات الدينية المرموقة في بلادنا ضد استهداف المدنيين الأبرياء وبالتالي تغذية مشاعر الرهاب المستشرية ضد المسلمين، خصوصاً وأن هذه الجريمة المدانة قد وقعت ضد بلد لا يحتفظ أي منا بذكريات تاريخية مؤلمة حياله، أو بمشاعر كراهية لشعبه المسالم، كما أن أي جهة لم تتبن هذه الفعلة الخسيسة، بما في ذلك تنظيم القاعدة الذي قد يخشى البعض مظنة التورط في معاداته، أو تجنب الاصطدام به حول أي مسألة خلافية من مسائل الاجتهاد والغزو والجهاد.

فإذا كان هناك من مشقة فقهية في إصدار فتاوٍ تحرّم تفجير مسجد في كراتشي، أو بيت عزاء في العراق، أو عيادة صحية في أفغانستان، أو غير ذلك من حافلات ركاب وقاعات مسافرين ومحطات قطار ونوادي ليل في هذا البلد الأوروبي أو ذاك، وكان هناك حرج في قول كلمة حق قد تثقل معنوياً ودينياً على أيدي قتلة المصلين والمعزين وعابري السبيل، فإن ترهيب مواطني بلد مسالم آمن مطمئن مثل السويد، يقدم فرصة سانحة للذين لم يتركوا شأناً لم يفتوا به، بما في ذلك جواز إرضاع الكبير، كي يكسروا هذا الصمت الرهيب، الذي كان بمثابة تشجيع غير مباشر على مقارفة مثل هذه الشنائع بحق الإسلام والعرب والمسلمين.