الفلسطينيون بين أميركا وأوروبا!

وحيد عبد المجيد

الاتحاد

لا جدوى من مطالبة الإدارة الأميركية بتقديم ضمانات للفلسطينيين بشأن القضايا الأساسية في مفاوضاتهم مع إسرائيل. فقد طلبت القيادة الفلسطينية مرات مثل هذه الضمانات، والتي كانت هي مقصد لجنة متابعة مبادرة السلام العربية أيضاً عندما قررت في اجتماعها الأخير ربط استئناف المفاوضات بتلقي quot;عرض جادquot; من واشنطن.

وليست مجدية، كذلك، مطالبة دول العالم بالاعتراف بدولة فلسطينية لا وجود لها في الواقع أسوة بما فعلته البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والإكوادور. فلهذا الاعتراف قيمة رمزية تحقق فائدة معنوية للقضية الفلسطينية، لكنها لا توفر الركائز المادية لإقامة دولة على الأرض. كما أن القيمة المعنوية للاعتراف بالدولة الفلسطينية تظل منقوصة ما بقيت الدول الأوروبية على موقفها الذي يتلخص في استعدادها لهذا الاعتراف، لكن فقط في الوقت المناسب! فالاعتراف الأوروبي هو quot;الجائزة الكبرىquot; على صعيد الحشد الدولي لصالح قضية فلسطين؛ لدلالته على أن العمل من أجل هذه الدولة يحقق تقدماً في الواقع.

ولذلك كانت أوروبا هي المحطة الأولي، والأكثر أهمية، في الحملة الدبلوماسية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية سعياً للحصول على أوسع اعتراف بالدولة على حدود الرابع من يونيو 1967.

غير أنه لا الولايات المتحدة ستقدم ضمانات مكتوبة للفلسطينيين، ولا الدول الأوروبية ستعترف بدولتهم في المرحلة الراهنة. ولا يرجع ذلك إلى أن الأميركيين والأوروبيين منحازون إلى إسرائيل فقط، ولا لكون النفوذ الصهيوني في بلادهم قوي ومؤثر فحسب. فإلى جانب هذا وذاك، لا تستطيع واشنطن أن تقدم للفلسطينيين ضمانات لا تثق في قدرتها على الوفاء بها. ومن نافلة القول إن ضمانات من نوع حدود الدولة الفلسطينية ومستقبل القدس يتوقف الوفاء بها على استعداد إسرائيل للتجاوب مع محتواها.

وبديهي أن إسرائيل سترفض التجاوب معها، وتضع سداً منيعاً أمامها. وقد أُريق من ماء وجه إدارة أوباما ما يكفي عندما رفضت إسرائيل طلبها تجميد الاستيطان من أجل تأكيد جدية العملية السلمية. وكان هذا اختباراً عملياً لقدرة الإدارة على إقناع الحكومة الإسرائيلية بأمر يعتبر صغيراً حين نقارنه بالضمانات التي تطلبها القيادة الفلسطينية الآن.

وجاءت نتيجة الاختبار مؤكِّدةً أن هذه الإدارة لن تغامر بما يضعها في حرج جديد أشد من سابقه، ولن تستطيع تقديم أي ضمان للفلسطينيين.

أما بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، التي يتبنى بعضها مواقف أكثر تقدماً من الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية والجهود السلمية، فلا تشعر بأن هناك ما يدعو إلى استباق المفاوضات بموقف يحدد نهايتها، ولا ترى سبباً ملحاً يدعو إلى ذلك. فهذه الدول ليست مطلعة على التفاصيل الدقيقة لخلافات الطرفين، ولا تعرف بالتالي حجم الهوة التي تفصلهما لأنها بعيدة عن المفاوضات، سواء حين كانت مباشرة عام 2008 أو عندما أصبحت غير مباشرة في عهد إدارة أوباما.

وكان لافتاً غياب أي تمثيل أوروبي في حفل إطلاق المفاوضات المباشرة في البيت الأبيض يوم الثاني من سبتمبر الماضي. وهي المفاوضات التي أُسدل الستار عليها قبل أن تبدأ فعلياً عندما حل موعد انتهاء تجميد الاستيطان الإسرائيلي في 26 من الشهر نفسه، فرفضت حكومة نتنياهو تجديد هذا التجميد. فقد فضلت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، التوجه إلى بكين لإجراء محادثات مع المسؤولين الصينيين حول الشراكة بين الطرفين في اليوم الذي أُقيم فيه حفل إطلاق المفاوضات.

وكان لافتاً تفسير أشتون غيابها في تلك المناسبة، إذ قالت بصراحة تُحسب لها ما معناه أنها اختارت القيام بعمل مفيد في محادثات تشكل فرصة مهمة وذات مغزى بدلاً من أن تكون في الصف الثاني في حديقة البيت الأبيض.

ويتعين على الفلسطينيين، والعرب عموماً، أن يتحلوا بمقدار مماثل من الصراحة، وأن يعترفوا بأنهم يحصدون الآن الثمار المرة لوضعهم أوراق المفاوضات كلها في يد الولايات المتحدة، وكأن السادات صاحب quot;نظريةquot; أن 99 في المائة من أوراق اللعبة لدى الأميركيين، مازال يوجه موقفهم تجاه العملية السلمية.

وها هي النتيجة تتجلى واضحة في العجز عن إقناع الأوروبيين بالاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن، والفشل في الحصول على أي ضمانات من الأميركيين.

ولذلك بات ضرورياً السعي لوضع الأوروبيين، والروس والأمم المتحدة، في صورة كل ما يحدث خلال المفاوضات لإطلاعهم على التفاصيل الدقيقة التي لا يعرفونها. فربما تساعد معرفتهم بها في إدراكهم أن إسرائيل وحدها تتحمل المسؤولية عن فشل الجهود السلمية بسبب مواقفها تجاه قضايا المفاوضات كلها، بما في ذلك قضية الحدود، وليس بسبب تشددها في موضوع الاستيطان فحسب.

فقد أدى تصعيد هذا الموضوع في الفترة الأخيرة إلى شيوع اعتقاد بأن استمرار الاستيطان هو جوهر المشكلة. وبدا موضوع الاستيطان على هذا النحو كما لو أنه الشجرة التي تحجب غابة واسعة كثيفة من المواقف الإسرائيلية المتصلبة تجاه قضايا المفاوضات جميعها على نحو يجعل الوصول إلى الدولة الفلسطينية عبر هذه المفاوضات مستحيلاً في المدى المنظور إلا إذا كانت هذه الدولة مجرد لافتة بلا محتوى ولا معنى.

ومن الصعب إقناع الأوروبيين بذلك، دون أن يعرفوا أدق تفاصيل المحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي ميتشيل مع الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، على مدى أكثر من عام. وفي غياب هذه المعرفة، لا يلام الأوروبيون حين يعتقدون أن اتفاق الفلسطينيين مع إسرائيل ينبغي أن يسبق الاعتراف بدولتهم، خصوصاً وأنهم يرون المسؤولين على الجانبين يتواصلون بسلاسة ويلتقون في مناسبات كثيرة ويلبون دعوات متبادلة لحضور حفلات عرس وأعياد ميلاد وغيرها.

ومن الطبيعي، والحال هكذا، أن يتريث الأوروبيون حين يتوجه إليهم الجانب الفلسطيني طالباً الاعتراف بدولة بمنأى عن المفاوضات مع الجانب الآخر في النزاع.

لذلك ربما تكون المطالبة بحضور الاتحاد الأوروبي في quot;المفاوضات المتوازيةquot; أكثر جدوى في الوقت الراهن من مطالبته بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأن اطلاع ممثليه على تفاصيل هذه المفاوضات قد يساعد في إقناعه بمثل هذا الاعتراف لاحقاً. والمطلوب، هنا، هو حضور الاتحاد الأوروبي بصفته مراقباً فقط لا يتدخل في المحادثات لأن إسرائيل ترفض إشراكه في رعاية العملية السلمية أو اضطلاعه بدور فيها. وحتى إذا اعترضت إسرائيل على حضور ممثل أوروبي بصفة مراقب في اللقاءات الأميركية مع مفاوضيها خلال المفاوضات المتوازية، يمكن الاكتفاء بوجوده في الجلسات التي ستعقد بين الأميركيين والمفاوضين الفلسطينيين.

فمن خلال متابعة الحوار في كل جلسة منها، يستطيع ممثل الاتحاد الأوروبي استنتاج ما دار بين المبعوث الأميركي والإسرائيليين في الجلسة السابقة. وهكذا، ربما يكون أهم فوائد هذه المفاوضات أن طابعها المتوازي يتيح إمكانية حضور أوروبي تشتد الحاجة إليه من أجل توفير دعم دولي أكثر فاعلية لقضية فلسطين.


ما علاقة القدس بأمستردام ونيويورك؟

ياسر الزعاترة

المدينة

laquo;إذا سقطت القدس فستليها أمستردام ونيويوركraquo;. تلك كانت بالنص كلمات اليميني الهولندي المتطرف laquo;كيرت فيلدرزraquo;، وجاءت على هامش اجتماع موسع لقوى اليمين المتطرف في أوروبا عقد في باريس بهدف مواجهة ما أطلق عليه laquo;الأسلمة السكانية والاجتماعية والنفسية لأوروباraquo;، وهو الاجتماع الأول من نوعه في أوروبا، والذي يشير إلى تصاعد قوى اليمين المناهضة للمسلمين في الساحة الأوروبية، والتي وصلت بريطانيا التي كانت، وربما لا تزال، الأكثر تسامحًا في تعاملها مع الأقليات. ثمة أسباب عديدة لهذا التطور الذي تشهده الساحة الأوروبية منذ سنوات، أعني العداء للمسلمين، من بينها تداعيات ما جرى في الولايات المتحدة (هجمات سبتمبر) وما تلاها من تفجيرات ومشاريع تفجيرات اتهم بها المسلمون زورًا لاعتبارات سياسية، فضلًا عن الأزمة المالية التي تمر بها أوروبا ومشاريع تحجيم الضمانات الاجتماعية، إلى جانب التركيز الإعلامي على مقولة أسلمة أوروبا التي تستثير كثيرين. لكن ما يستوقف المراقب في هذا الحشد اليميني المناهض للمسلمين هو تقربه من الدولة العبرية، بل وإعلانه التحالف معها في مواجهة المسلمين. وهو أمر بالغ الغرابة لأن قوى اليمين الأوروبية عادة ما كانت تتسم باللاسامية، أي أنها مناهضة لليهود بالدرجة الأولى، وبعد ذلك للأقليات الأخرى. تاريخيًا كان الحضور اليهودي في الساحة الأوروبية ذا صلة بأحزاب اليسار، وهي أحزاب كانت تقترب أيضًا من سائر الأقليات، أما خلال الألفية الجديدة، وربما قبل ذلك بقليل فقد أخذت أحزاب اليمين الأوروبية تقترب من اليهود، وتبعًا لذلك من الدولة العبرية، ونتج ذلك بالطبع عن اختراق الصهاينة لتلك الأحزاب تبعًا لنفوذهم في دوائر المال والإعلام. وبذلك رأينا مؤخرًا كيف يتقرب اليمين الحاكم في فرنسا (ساركوزي) وإيطاليا (بيرلسكوني) وألمانيا (ميركيل) من الدولة العبرية أكثر من اليسار، الأمر الذي ينطبق بشكل أوضح على الجمهوريين في الولايات المتحدة، ومؤخرًا يمين اليمين ممثلًا في حزب الشاي. هذا التطور لم يعد يسمح لليمين المتطرف في أوروبا أو أمريكا بالمجاهرة بعدائه لليهود، بل لم يعد يسمح له بمجرد الحياد في الصراع بين الدولة العبرية والعرب، وصار عليه لكي يحافظ على وجوده في دول ديمقراطية ترفض التمييز العنصري أن يتقرب من اليهود، وتبعًا لذلك من دولتهم الأم، بل يزايد في دعمها على سائر القوى. ما فعله فيلدرز أثناء زيارته لفلسطين المحتلة مؤخرًا، ومشاركته في مؤتمر اليميني الصهيوني عضو الكنيست المتطرف laquo;آرييه الدادraquo;، الذي ينادي بدولة فلسطينية في الأردن مثال على ذلك، الأمر الذي أخذ ينسحب على سائر أحزاب ومجموعات اليمين المتطرف، بما في ذلك في بريطانيا التي تعلن المجموعات العنصرية المناهضة للمسلمين فيها دعمها للصهاينة ودولتهم المحتلة، وهو ما أخذ يلقى استجابات واضحة من قبلهم، لاسيما قوى اليمين، في حين تتحفظ على ذلك بعض أصوات اليسار، كما عبرت عن ذلك صحيفة laquo;هآرتسraquo; الإسرائيلية، باتهامها قوى اليمين الأوروبي المتطرف laquo;بإحلال نموذج المهاجر المسلم ذي السلوك الإجرامي مكان اليهودي كعدو لدودraquo;، ومن ثم زيارة إسرائيل لمجرد laquo;الحصول على مغفرة اليهود التي تقربهم من السلطة السياسيةraquo;، والكلام للصحيفة. وإذا كان laquo;تاجر البندقيةraquo; في رواية شكسبير الشهيرة هو عنوان اليهودي الجشع، فإن المهاجر المسلم صار عنوان الجشع بتفننه في الحصول على الإعانات الحكومية بكل وسيلة ممكنة، وصارت الصحف تسابق بعضها في البحث عن مخالفات للمسلمين على هذا الصعيد، مع أن غير المسلمين يتورطون في مثل هذا السلوك أيضًا، وربما بعض أهل البلاد الأصليين أيضًا. الآن يريد اليمينيون المتطرفون أن يغازلوا الحضور اليهودي في الأوساط السياسية في بلادهم، وذلك عبر دعم الدولة العبرية التي تشكل الهم الأكبر بالنسبة للغالبية الساحقة من اليهود في العالم، الأمر الذي أخذ يترك آثارا واضحة على مواقف يهود الغرب من تلك الأحزاب والقوى، خلافًا لما كان عليه الحال سابقًا، فيما كان المسلمون ينحازون لأحزاب اليسار رغم نفوذ اليهود الكبير فيها، اعتقادًا منهم بأنها الأفضل إليهم من حيث قضاياهم المعيشية. لعلها الأقدار التي تأبى إلا أن تجعل من قضية فلسطين والقدس والأقصى عنوانًا لصراع الأمة مع أعدائها، تمامًا كما كانت طوال قرون من الحروب الصليبية التي استهدفت هذه المنطقة وهذه الأمة، قبل أن يستثمر اليهود آخر محطاتها ويحتلوا فلسطين، بدعم من بريطانيا والغرب، ويواصلوا احتلالهم بسبب ذات الدعم. والنتيجة أنها معركة واحدة لا خيار للأمة غير خوضها بروح واحدة وإرادة واحدة إذا أرادت أن تنتصر، ويكون لها مكان تحت الشمس. بقي القول: إن ما يلفت النظر في هذه القضية أن صعود اليمين المتطرف في الغرب يوازيه صعود مماثل في الدولة العبرية، الأمر الذي يترجم حقدًا على الفلسطينيين وسائر المهاجرين، كما تعكس ذلك فتاوى الحاخامات ومواقف الناس التي ظهرت في استطلاعات الرأي الأخيرة.