عبد الوهاب بدرخان
كل الضربات مسموحة. هذا هو الشعار الذي اعتمدته القوى المتنفذة في quot;العراق الجديدquot; في خوضها للانتخابات. ومنذ ضربة quot;هيئة المساءلة والعدالةquot; فتح الطريق لكل أنواع الانتهاكات، خصوصاً أن هذه quot;الهيئةquot; تنكرت بكونها quot;قانونيةquot; لتمارس أول تدخل quot;قانونيquot; في الانتخابات عبر التمييز بين مرشح ومرشح، ما يعني أنها تدخلت مسبقاً للتأثير في نتائج الاقتراع. أما المخالفات أو التقصيرات الأخرى التي ظهرت لاحقاً، مثل التلاعب بكشوفات الناخبين وغيره، فهي من النوع الذي يحصل في العراق وغيره، ويبقى عادة مجرد مادة للجدل.
سخونة المنازلة هذه المرة لا تكمن في إقبال البعثيين أو quot;الصدّاميينquot; على المشاركة في العملية الانتخابية، فهؤلاء اتخذوا ذريعة للتلاعب ولمواصلة استبعاد نشطاء السنّة عن العملية السياسية. السخونة ناجمة عن جملة عناصر أبرزها التنافس الشيعي- الشيعي على الزعامة وعلى صدارة الحكم والحكومة. ومن تلك العناصر أيضاً أن الحكومة المقبلة هي التي ستتحكم بطبيعة النظام، ويفترض أن تتولى استكمال استحقاقات الفدْرلة. وكانت مرحلة حكومة المالكي شهدت بلورة أول انشقاق -رسمي ودستوري- عن الدولة المركزية عبر ولادة معترف بها للكيان الكردي في الشمال.
في المرحلة التالية سيكون التركيز على توضيح معالم الأقاليم المفدرلة وحدودها. ومن أجل ذلك لابد من إبقاء الصيغة السياسية التي انبثقت من الانتخابات السابقة من دون أي تغيير جوهري. ولأن مؤشرات عدة أنذرت بإمكان حصول تغيير، فقد استشرست القوى المتسلطة الحالية لإضعاف احتمالات اختراق الصيغة الحالية. لكن الواقع فرض نفسه فاضطرت كل التحالفات للتفكير في استقطاب الأطياف التي كانت استبعدتها سابقاً. فاجتهد quot;الائتلاف الوطنيquot; (المجلس الأعلى -الصدر) كما quot;ائتلاف دولة القانونquot; (المالكي) لانتقاء حلفاء من عشائر السنة وبعض quot;الصحواتquot;، إلا أن ائتلافي رئيس الوزراء السابق إياد علاوي ووزير الداخلية الحالي جواد البولاني كانا أكثر انفتاحاً وتوصلا إلى قوائم مرشحين أكثر ديناميكية وتوسعاً في التمثيل. لذلك هبت رياح الاجتثاث باتجاههما، ولم توفر ائتلاف المالكي -إذ أن القوى الشيعية التي استأثرت بسيف الاجتثاث أرادت أيضاً أن تهز حظوظه بل إن تفهمه منذ الآن أن بقاءه في منصبه لن يكون مضموناً.
سيطرأ تغيير على الخريطة السياسية للبرلمان المقبل، لكنه لن يكون حاسماً لمصلحة أي تحالف بمفرده، وبالتالي فإن الحكومة المقبلة ستكون بالضرورة ائتلاف محاصصة، إلا أن التيار الغالب عليها سيبقى قريباً للتيار الغالب على الحكومة الحالية، ولاشك أن تركيبتها النهائية ستعكس وطأة القوى الخارجية ونفوذها في عراق ما قبل الانسحاب الأميركي. ثم إن هوية رئيسها ستعطي فكرة عما بلغه مخاض تلك القوى الخارجية واحتكاكها داخل البلاد. صحيح أن نوري المالكي يرى أنه quot;أنجزquot; وهناك مصلحة في أن يكمل ما أنجزه، إلا أنه قد لا ينجح في أن يبقى quot;الحل الوسطquot; الذي شكله قبل خمسة أعوام. أما الحل الوسط الآخر (علاوي أو البولاني)، من خارج التشكيلين الشيعيين الرئيسيين، فتتوقف حظوظه على الشعبية التي يحصل عليها رغم المخالفات، وكذلك على مدى استعداد الطرف الكردي لتغيير تحالفاته مع ضمان مصالحه.
أكثر ما لفت في مرحلة ما قبل الانتخابات أن الجانب الأميركي أشاع انطباعاً -قد يكون ظاهرياً أو تمويهياً- بأن مجريات السياسة العراقية تجاوزته. فالسفير هيل يخشى quot;فوضىquot; بعد الانتخابات، والجنرال أوديرنو بالغ القلق من تعاظم النفوذ الإيراني. الأكيد أن انعدام الإنجازات في مجال المصالحة وملفاتها الكثيرة والشائكة، قد يكون مبرراً لإعادة النظر في الانسحاب الأميركي كماً ونوعاً ومغزى. ونتائج الانتخابات ستوضح للعراقيين وللأميركيين المدى الذي سيذهب إليه ذلك الانسحاب.
التعليقات