توفيق المديني

يمثل اتفاق الإطار بين الحكومة السودانية وكبرى حركات التمرد في إقليم دارفور: حركة العدل والمساواة، الذي تم التوقيع عليه في الدوحة يوم 23 شباط 2010، تحولاً استراتيجياً مهماً يعبد الطريق إلى تحقيق سلام نهائي لأزمة دارفور، ولا سيما أن الاتفاق هذا حظي بدعم عربي وإقليمي ودولي، تمثل ذلك من خلال حضور حفل التوقيع مبعوث الرئيس الأميركي إلى السودان سكوت غريشن إلى جانب حضور ممثلين دوليين بينهم ممثل فرنسا الخاص بدارفور عيسى مارو.
ويشمل هذا الاتفاق 12 بنداً تنص على وقف النار، ودمج مقاتلي حركة التمرد في الجيش والشرطة، والإفراج عن أسرى الحرب، والعفو عن الأعضاء المدنيين والعسكريين في quot;حركة العدل والمساواةquot;. كذلك يقضي الاتفاق بتعويض النازحين وتنمية دارفور الذي طال تهميشه والبحث في تقاسم الثروة. كما ينص على مشاركة الحركة في الحكومة على كل المستويات سواء كانت تنفيذية أم تشريعية أو غير ذلك. وسوف يوقع اتفاق السلام النهائي في 15 آذار/مارس الجاري.
وجاء هذا الاتفاق كنتيجة منطقية للمصالحة التي تحققت بين السودان والتشاد خلال الزيارة التي قام بها الرئيس إدريس ديبي للخرطوم في 9 شباط الماضي، حيث كانت أزمة دارفور في قلب التوترات والأزمات التي وصلت إلى حد إعلان الحرب بين البلدين.
ففي خضم الحرب الباردة كان التشاد مسرحاً لحرب أهلية بين نظام حسين حبري والقوى المعارضة له المدعومة إقليميا من ليبيا، ومنذ عقد الثمانينيات أصبحت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإسرائيل تساند نظام حبري، بينما كان الاتحاد السوفياني يساند ليبيا. وقد شكّل إقليم دارفور قاعدةً خلفيّة للقوات المتحاربة، من أجل السيطرة على نجامينا عاصمة التشاد، حيث يمكنها التدرّب وشنّ الهجمات. فخلال الثمانينات، وفي حين كان هنالك نقصٌ في المياه، بدا إقليم دارفور غارقاً بالأسلحة. هكذا من المهمّ التشديد على أنّ القوى العظمى كانت متورّطة في دارفور قبل أن تتورّط الحكومة السودانيّة فيه.
وبعد تحقيق المصالحة السودانية التشادية، منحت سلطات نجامينا متمردي دارفور مهلة حتى 21 فبراير الماضي لمغادرة الأراضي التشادية. وقد خص هذا الأمر بالذات الحركة من أجل العدالة والمساواة. ويرى المراقبون أن هذه الحركة ملتبسة، لأنها مرتبطة بصورة وثيقة بجناح الترابي في حركة الإخوان المسلمين، وتتألف حصراً من قبيلة quot;الزغاوةquot;، وقد حاربت مع الرئيس التشادي إدريس ديبي، وضده وفقاً لتبدل الظروف. وتستفيد الحركة من تمويل الإخوان المسلمين.
حركة العدل والمساواة حركة تمرد في إقليم دارفور، وهي ثاني أهم تشكيلة سياسية عسكرية بعد حركة تحرير السودان. وإذا كان quot;الفورquot; هم من أسس حركة تحرير السودان فإن أبناء قبيلة الزغاوة قد أسسوا حركة العدل والمساواة. ونشأت الحركة في ظل انشقاق عرفته حركة تحرير السودان سنة 2001. ويرأس تلك الحركة الدكتور خليل إبراهيم محمد، وهو وزير سابق للأمن في حكومة الرئيس السوداني عمر البشير..أصدرت الحركة بيانها التأسيسي عام 2001 وبدأت نشاطها العسكري في شباط 2003 إلى جانب حركة تحرير السودان.
فماهو إقليم دارفور الذي تحول إلى مسرح لتجاذبات إقليمية ودولية؟
تساوي مساحة إقليم دارفور مساحة فرنسا تقريباً. وتحد الإقليم ثلاث دول: من الشمال ليبيا ومن الغرب تشاد ومن الجنوب الغربي أفريقيا الوسطى، فضلا عن متاخمته لبعض الأقاليم السودانية مثل بحر الغزال وكردفان من الشرق.تكثر في إقليم دارفور المرتفعات الجبلية وأهمها جبل مرة حيث يوجد أكثر الأراضي الدارفورية خصوبة. كما ينقسم الإقليم إداريا إلى ثلاث مناطق: شمال دارفور وعاصمته مدينة الفاشر، وجنوب دارفور وعاصمته مدينة نيالا، وغرب دارفور وعاصمته مدينة الجنينة. يمتاز إقليم دارفور بالتعدد القبلي فالإضافة إلى quot;مجموعات القبائل المستقرةquot; في المناطق الريفية مثل: quot;الفورquot; وquot;المساليتquot; وquot;الزغاوةquot;، وquot;الداجوquot; وquot;التنجرquot; وquot;التامةquot;، هناك مجموعات أخرى من القبائل الرعوية المترحلة والتي ترد إلى المنطقة بصورة موسمية حسب الحاجة إلى المرعى.
بدأ الصراع في دارفور على شكل حرب أهلية محلية متعددة الأسباب في فترة 1987-1989. أحد أهمّها هي السياسة الزراعيّة التي اعتمدتها بريطانيا خلال الفترة الاستعماريّة. فقد أُعيد توزيع جميع أراضي إقليم دارفور وفق معاييرٍ قبليّة، استُثني منها البدو تلقائياً، كونهم لا يمتلكون قرى. وخلال فترة الجفاف الكبير التي حدثت بين الأربعينات والثمانينات، اتّسعت الصحراء مساحة 40 كيلومتراً جنوباً، مُبعِدةً البدو الذين اتّجهوا نحو جبل مرّة، في وسط البلاد. ثم استتبع ذلك صراعٌ تقليديّ بين الفلاّحين والبدو: فمن سيمتلك أكثر الأراضي إنتاجيّةً هو الذي سينجو بنفسه من الجفاف.
ثم تحول الصراع خلال مرحلة 2003ـ 2007 إلى نزاع بين الحركات المتمردة والحكومة السودانية، عندما عملت الأولى على زعزعة السلطة في الخرطوم بدعم من الولايات المتحدة والتشاد وإسرائيل، عندها استخدم الإعلام الغربي مصطلح quot;الإبادة الجماعيةquot; في تشخيصه للصراع الذي استمر أربع سنوات، وخلف 300000 قتيل ونزوح أكثرمن مليوني شخص من دارفور.وقد أثّر تدفّق هؤلاء اللاجئين على توازن التشاد.