محمد الرميحي
بين نوري المالكي ونوري السعيدانتهت الانتخابات العراقية، وبدأت المناكفات بين المكونات السياسية المختلفة، المؤتلف منها، وغير المؤتلف، وللتجربة العراقية الوليدة كثير من المثالب، على العراقيين أن يقوموا بتقويمها، إلا أن القضية التي أطرحها هنا، هي تأثير ما يحدث في العراق على الكويت.
لا نعرف حتى اللحظة من سيكون رئيس الوزراء العراقي المقبل، مرة أخرى ذلك متروك للعراقيين، إلا أن أحد الافتراضات المرجَّحة هو أن يكون نوري المالكي من جديد، وهو كرئيس للوزراء والقابض على السلطة، حسب ما يقرره الدستور العراقي، مسؤول عن علاقات العراق بالخارج، ومنها الكويت بالطبع.
أيّ شكل من أشكال الديمقراطية، حتى لو كان يحمل نواقص كبيرة، هو بلا شك أفضل بكثير من أي نوع من الدكتاتورية للتعامل مع ملفات الجوار، وأيضا مع النسيج الداخلي. فالديمقراطية -كيفما كانت- تجعل الناس أكثر تسامحا مع الاختلاف، وقد ثبت ذلك في تجارب عديدة لدول متجاورة، ومتى ما توافرت الديمقراطية في البلدين قلّت إمكانية الاحتكاك السلبي، وزاد احتمال التوافق الإيجابي.
في الذهن التجربة الهندية والباكستانية كمثال واضح، فكلما خضعت باكستان إلى نوع من الديمقراطية قلّ احتكاكها السلبي مع جارتها الهند، والعكس صحيح. لذا فإن الافتراض العلمي الأقرب إلى المنطق أنه كلما حصل العراقيون على ديمقراطية وتعددية، وسُمح للأصوات المختلفة بأن تعبّر عن نفسها، مال العراق (الدولة) إلى وفاق جواريّ وتصالُح داخلي.
نستحضر تجربة نوري السعيد، فقد ذكر لنا أحد الضباط السوريين (الانقلابيين)، هو محمد معروف (الذي توفّي الصيف الماضي في بيروت)، في كتابه laquo;أيام عشتهاraquo;، وكان موالياً لبغداد في الصراع الذي دار في الخمسينيات مع دمشق، ذكر لنا اقتراحه إلى الأمير عبد الإله، الوصي على العرش العراقي وقتها، حول العلاقة بين الكويت والعراق، فأحاله الأمير إلى الباشا (نوري السعيد)، وبعد أن استقبله الباشا في مكتبه واقفا، قال له، كما ذكر بالحرف: laquo;يا أبو جاسم خرّبت سورية.. ناوي تخرب لي العراقraquo;، ثم أردف نوري السعيد: laquo;ما لنا وللكويت، في ميزانيتنا هذا العام خمسون مليون دينار فائضة، الله يرضى عليك احتفظ بأفكارك لشؤون سوريةraquo;.
اختصرت هنا النص الطويل نسبيا، ولكنه منشور في الصفحتين 228-229 في الكتاب المذكور.
قصة الكويت والعراق تحتاج إلى ذلك البعد في النظر، وإلى عقلاء لحل ما علق، من دون النظر إلى التشنجات التي تُطلق من البعض، ركوبا لموجة، واستطرادا لجهل أو سوء نية، وتهدئة لتشنجات شعبوية.
فهل يا ترى بعد استقرار نتمناه للجار العراق، يلتفت من سيؤول إليه الأمر إلى أهمية استخلاص الدروس التاريخية السابقة، وإنهاء ذيول هذا الملف بكل تبعاته، على قاعدة قرارات مجلس الأمن، وكطريق سلمي للاندماج في سرب المصالح العربية العليا، والمصالح الاقتصادية المشتركة التي تبشّر بخير عميم على كل الأطراف؟ وهل يكرر نوري الثاني حكمة نوري الأول، أياً كان اسم الرئيس الجديد؟
التعليقات