الهجرة في الخارج

باريس - محمد جمّول

مستقبل مجهول ينتظر المهاجرين غير الشرعيينالموريتانية laquo;دينيبا نينايraquo; واحدة من مئات المهاجرين غير الشرعيين الذين يطالبون الحكومة الفرنسية بمنحهم الإقامة. ومطالب هؤلاء تكاد تكون هي ما تطلبه نيناي laquo;نريد أن تصبح إقامتنا شرعيةraquo;. وبعضهم أمضى سنوات في البلاد بطريقة غير مشروعة. مع ذلك لايزالون يريدون أن يعيشوا بأمان كما تقول نيناي laquo;نريد أن نعيش علنا، وأن يكون لنا مكانتنا وعملنا، وأن نشعر بالحرية في الحركة والتنقلraquo;.
يعيش عدد من هؤلاء المهاجرين في دور من إحدى البنايات وسط باريس منذ خمسة أشهر، إذ تم إبعادهم من قاعة تابعة لأحد الاتحادات العمالية بعدما عسكروا فيها لمدة سنة. وحالما احتلوا المبنى الجديد، سارعت مؤسسة التأمين الصحي التي تمتلك المكان لرفع دعوى أمام القضاء تطالب بإخلائهم من المبنى. وقد ربحت الدعوى، وهي الآن أمام الاستئناف.
يقيم في هذا المبنى حوالي 500 شخص يحملون الحدود الدنيا من الأمتعة التي لا تكاد تزيد عن ملابسهم وبطانية وحصيرة للنوم. وهم يعدون طعامهم في مطبخ مشترك ويتلقون التبرعات التي تأتيهم من الجمعيات الخيرية بشكل مشترك، وينظمون أعمال التنظيف فيما بينهم، كما يخرجون معا للتظاهر مطالبين بمنحهم الإقامة الشرعية.
تعاونية مستقلة
معظم الذين قاموا بالاستيلاء على المبنى قادمون من غرب أفريقيا. وهم يشكلون جزءا من حملة عالية التنظيم، يشارك فيها المهاجرون ومحاموهم من أجل شرعنة إقامة حوالي 400.000 عامل يعملون من دون أوراق رسمية في فرنسا. وحسب بعض النقابات، هناك حوالي 5000 مهاجر غير شرعي شاركوا في الإضرابات والاعتصامات في مواقع الإنشاءات وفي المطاعم والشركات في مختلف أنحاء البلاد.
هؤلاء الذين يحتلون المبنى في وسط العاصمة باريس يعتبرون أنفسهم تعاونية مستقلة تقاتل من أجل حقوق الآخرين. لكن قيامهم باحتلال مبنى وسط باريس جعل قضيتهم تخسر تعاطف الحركة العمالية الفرنسية، في الوقت الذي لن يستطيعوا أن يكونوا مصدر حرج للسلطات الفرنسية.
ومع ذلك، يعتقد جبريل ديابي، وهو أحد منظمي حركة الاحتجاج، أنك laquo;حين تحدث ضجيجا يستمعون إليك. هكذا هو الحال في فرنسا. فإذا لم تفعل شيئا، لن يحدث شيء. وإذا قاتلت ينتبهون إليكraquo;.
قوانين لا تطبق
فرنسا واحد من البلدان الأوروبية القليلة التي تقدم الإقامة الشرعية بانتظام للمهاجرين غير الشرعيين، بشرط أن يثبتوا أنهم أمضوا خمس سنوات على الأقل داخل البلاد. وفي كل سنة تمنح آلاف الموافقات. لكن المهاجرين يشتكون من أن القوانين لا تطبق بشكل واحد في الأقسام الإدارية الـ 100 في فرنسا، حيث لكل مدير شرطة السلطة في تقرير إن كان المهاجر غير الشرعي يلبي الشروط المطلوبة للحصول على الإقامة.
وقد أصبح هذا الوضع أكثر تعقيدا بعدما تسبب الرئيس نيكولا ساركوزي بتوتير الأجواء بين جمعيات المهاجرين عندما سمح لنقابات العمال بإجراء مسح للمهاجرين المتقدمين بالطلبات. ومنذئذ تزايد عدد العمال غير الشرعيين، وخصوصا في المدن والمناطق التي تشكو نقص العمالة. ويبدو أنه من غير المتوقع أن تكون هناك درجة أعلى من التسهيلات، في حين أخذ رئيس بلدية باريس يشكو اتساع حركة الاحتجاجات التي باتت تشكل ضررا على اقتصاد المدينة. وفي الوقت ذاته باتت مشكلة هؤلاء المهاجرين تشكل موضوعا سياسيا.
يقع المبنى الذي يسيطر عليه هؤلاء المهاجرون في شارع فرعي ملاصق لأحد الأحياء العمالية التي كانت مسرح أحداث روايات إميل زولا في القرن التاسع عشر. ومن خلال وجودهم فيها، أخذوا يطلقون تسمياتهم الخاصة على الشوارع والساحات المجاورة مثل laquo;ساحة المقاومةraquo; وlaquo;بوليفار الترحيلraquo; وlaquo;مأزق الليبراليةraquo;. وفي حين لايزال المبنى مزودا بالكهرباء وبعض غرفه يوجد فيها أجهزة تلفزيون، يأتي بعض المتطوعين الفرنسيين، وبعضهم معلمون متقاعدون، لتعليمهم اللغة الفرنسية والفلسفة وقوانين الهجرة. وقد تعهد بمساعدتهم كل من حزب الخضر والحزب التروتسكي. وكثيرا ما تعقد اللقاءات لهذا الغرض. وقد تم تنظيم مجموعات تقوم بدور حراس الأمن من بين هؤلاء المهاجرين، لكن هذا العمل غير متاح لكل من يشترك في أي شجار.
ديابي القادم من السنغال إلى فرنسا لا يتوقع أن يكون هناك حل شامل لقضية هؤلاء المهاجرين. ويعتقد أن عليهم أن يستمروا في الضغط على السلطات الفرنسية لضمان استمرار نظام منح الإقامات بالشكل القائم حاليا. ويضيف ديابي laquo;إذا كانت هناك تعبئة واسعة، فلن تكون السلطات قادرة على فعل ما تريدraquo;.