مبارك الذروة

ما يتناوله بعض الإعلاميين هذه الأيام من تفكيك براغي وزارة الإعلام لكي تكون دكاناً أو سكراباً آخر كسكراب أمغرة لا حسيب ولا رقيب! لا يخدم الإعلام الرسمي القومي مطلقاً.
فمهما كان هناك إعلام خاص، أو شقق إعلامية إن شئت، ومتى نجحت وتألقت فإن الإعلام الرسمي الوطني هو المعبر عن إرادة الكويت، وهو الناطق الحقيقي باسم الهوية الكويتية.
إن محو الفكر الإعلامي الوطني هو بمثابة موت حقيقي للدولة في بعدها الإعلامي. ويوم أن يحدث هذا فإن المتلقي سيفقد حسه الوطني، وسيكون لقنوات الفضاء الملوث فرصة سانحة لملء الفراغ الذي تركه إعلامنا الرسمي.
فطالما أن هناك أصلاً بدائية وضبابية واضحة في فكرة الخصخصة عموماً فلماذا نجر النار على قرص الإعلام الكويتي الآن!
نحن إلى الآن لا نعرف كيف ستحل إشكاليات محاور استجواب السيد الوزير، ولا ندري ما الذي سيتم بشأنها، والمتعلقة بإشكاليات مالية عند بعض القنوات، وقد تكون هناك شبه تمويلية لها! فضلاً عن افتقارها للإمكانيات الفنية والتقنية والبشرية المقنعة.
الفشل الذريع في إدارة الإعلام الرسمي واستبداد الرأي داخل أروقته، وتطفيش الكفاءات الكويتية، لا يعني أن نرمي إعلامنا بالرصاص ونحكم بقتله. والتغيير المطلوب لا يجب أن يكون على طريقة الهدم وبيع التراكمات والقصور. فالإصلاح الإداري تحتاجه كل مؤسسات الدولة وليس الإعلام فحسب، وفراغ الحس الوطني لن يملأه إلا الرعاية الحكومية للإعلام الرسمي.
لا يعني أننا نقلل من شأن الفضائيات المملوكة للقطاع الخاص، ولكن على الأقل نحن نعرف وبكل تأكيد أن القناة الرسمية هي كويتية خالصة 100 في المئة.
وهنا يجب ألا نستحي من لوم قناتنا الوطنية، وهي تحديداً القناة الأولى، عن تخلفها عن الركب وتباطؤها عن الأحداث، ولذلك فالشارع سيتجه نحو الخارج الذي يتقدم لملء هذا الفراغ خاصة إذا اقتحمته قنوات قوية وجادة برصدها ومراسليها وأجهزتها كقناة laquo;الجزيرةraquo;، وlaquo;العربيةraquo; والـ laquo;سي ان انraquo;. بالتأكيد البرامج الإخبارية يجب أن تأخذ مساحات من الحرية تتمتع بها تلك الفضائيات لتستقطب أكبر عدد من المشاهدين.
من ناحية أخرى، وزارة الإعلام تحتاج إلى رؤية كاملة يدعى لرسم سياساتها رجال الإعلام والفكر. والتهاون في رؤى إعلامنا الوطني أمر في غاية الخطورة ولا يشفع لنا تعدد الفضائيات فالكويتيون خارج الوطن وكل العرب في الخارج يعرفون القنوات من خلال اسم الدولة، فهذا تلفزيون الكويت، وهذا تلفزيون البحرين، وذاك تلفزيون قطر.
رؤى تنطلق من تحديد احتياجات قطاعات الإعلام خاصة المتعلقة بالاستوديوهات وقدرتها على استثمار برامجها بشكل أفضل، والتحول إلى المنافسة والبحث عن موقع قدم بين قنوات الفضاء الكثيرة.
رؤى تسعى آليات العمل لتطوير قدرات موظفي الإعلام، ورفع مستوى الجودة المهنية والإدارية ومسايرة التطورات التكنولوجية السريعة.
في رأيي، ومن منطلق وطني بحت، لابد أن تخضع المؤسسات الإعلامية كافة إلى سلطة الدولة وقوانينها، ولا يترك لتلك المؤسسات أن تعيث فساداً وتشكل عقول أبنائنا وفقاً لأهوائها.
واليوم هناك ثورة تكنولوجية هائلة تفرض تحديات على وسائل الإعلام فكيف سيتعامل إعلامنا الوطني معها؟ فالإعلام الخاص فرض نفسه بسبب قدراته التقنية المتطورة وهيكله الوظيفي واضح المعالم والأدوار، فضلاً عن التدريب المستمر لإعداد كوادره بشكل أفضل كما تصنع قناة laquo;الجزيرةraquo; مثلاً. والتي تجعلها بمثابة الإعلام الرسمي لكثير من الدول.
هروب الإعلام أو خصخصته هو محاولة للتخلص من السلطة المهيمنة للدولة والخروج من تبعية وزارة الإعلام للسير في ركاب التقدم الإعلامي العالمي دون ضوابط وقيود وهو ما لا يتماشى مع خصوصية دولة صغيرة كالكويت لم تصمد أمام رياح الفتن الطائفية، ومشاكل ازدواجية الإعلام والتعليم، وغير ذلك.
من الإجحاف أن نغامر بهويتنا الثقافية وتماسك لحمتنا الوطنية باسم الحرية الخالصة للإعلام ومواكبة الإعلام العالمي.
لتبق وزارة الإعلام كويتية خالصة، ولتكن الوجه الحضاري لدولتنا، نعرف وتعرف به، تديرها كفاءات شبابية من ذوي الحس الوطني الخالص ضمن النسيج الخليجي والمحيط العربي الإسلامي.