علي أحمد الطراح


- لا عيب أن نناقش الفوضى التي عبثت بعقول الكثير حفاظاً على نصاعة الرسالة السماوية


نتذكر حادثة مدرسة البنات في السعودية وكيف أن رجال الأمر بالمعروف أعاقوا إنقاذهن وذهبن ضحايا لفهم في غير مكانه في تعاملنا مع المرأة.اليوم يعلن أحد شيوخ الدين بجواز اقتحام أسوار مدارس البنات عندما يتعرضن للخطر. العقل يدلنا على أن ما صرح به شيخنا الجليل لا يحتاج الى ذلك الجهد بقدر حاجتنا لشجاعة في وقف سيل الفتاوى كونها تنتشر انتشار النار بالهشيم بسرعة لا نظير لها وتؤثر في عقول العامة من الناس وتدفعهم لحماقات وأفعال مدمرة. ثمة تحولات نرصدها تقودها المملكة العربية السعودية أصفها بالهدوء في معالجة بواطن الخلل في فهمنا للدين. دائما نقول ان للدين فعله في تكوين الشخصية وهو مكون للأخلاق ولا يجوز ان نخضعه للابتزاز والاستغلال السياسي وما يحدث اليوم هو هيجان ديني لا ينفعنا ولا يخدم ديننا. فالفتوى هي نوع من القياس، والقياس له قواعده وهو علم يدرس وعلينا ان ندفع بالانضباط ونحد من التهور في إصدار فتاوى تمس حياة البشر، فبالأمس يفتي أحدهم بالرضاعة للغريب لكي يجوز التفاعل معه في العمل، والآخر يفتي بالقتل وإهدار الدماء، وفتاوى بإيجاد مسميات شرعية لممارسة الرذيلة ويتحول الزواج الى بضاعة تجلب الوناسة الجنسية وليس بناء أسرة على قواعد تحترم فيها إنسانية الإنسان.
الحريص على دينه وخصوصا علماء الشريعة عليهم مسؤولية جمة في تقنين الفتوى حيث لا يجوز لكل من هب ودب ان يصدر فتاوى مدمرة ومغايرة للطبيعة البشرية وقاتلة ومعطلة للعقل ومضادة للمنطق، ولا عيب ان نناقش الفوضى التي عبثت بعقول الكثير حفاظا على نصاعة الرسالة السماوية. المواجهة ليست بسهلة حيث تتحفنا الفضائيات بالمشايخ الجدد الذين يقذفوننا بفتاوى من كل حدب وصوب دون ان تتحرك الجهات المسؤولة لوقف هذا السيل الجارف من الفوضى العارمة التي تهدد الأمن النفسي والاجتماعي. والأزمة أن الفتوى ما هي الا رأي ولا تشكل إلزاماً ولكن التضارب بإصدار الفتوى أصبح سوقاً رابحة ومؤثرة على عقول الكثير لذلك تتطلب التدخل من الحكومات الإسلامية حيث ان هذه الفتاوى خرجت عن دائرة الضبط ولا تمثل الاجتهاد ومبادئ القياس العلمي وتركها دون تنظيم له مخاطره. ووفق الإحصائيات المنشورة فإنه خلال الـ 20 سنة الماضية مجموع الفتاوى الصادرة من دار الإفتاء بمصر قارب 23 ألفاً أي بمعدل 1000 فتوى سنويا ومعظمها لا تمس حياة الإنسان وقضاياه الحياتية بقدر ما هي تعطيل للعقل حيث تدور حول الجنس والمرأة والفوائد البنكية. ويلاحظ أن التناقض في الفتاوى عادة من الأمور الملفتة للانتباه والداعية الى وقفة عقلانية حيال هذا السيل الكبير والجارف للعقل والمهمش له، ولعل المحاولات السعودية تشجع الدول الأخرى في اتخاذ مواقف مشابهة وخصوصا أن إمامة الأزهر جاءت لشخصية متفتحة ومعروفة برجاحة العقل وكل ما نرجوه ان تدرك الحكومات خطورة التوظيف السلبي للدين حيث الحقائق التاريخية تؤكد لنا خطورة اللعبة لكون من يديرها لا يحكم خيوطها.
وعلى المحبة نلتقي،،،