وزير العدل اللبناني اعتبر أن الشيخ سعد يبدي laquo;ليونة سياسية عظيمة جداًraquo;

بيروت ـ غنوة غازي

أكد وزير العدل في الحكومة اللبنانية ابراهيم نجار ان التقرير الأخير الذي أصدره رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي الايطالي أنطونيو كاسيزي أثبت أمرين مهمين laquo;الأول هو ان المحكمة تتابع أعمالها على قدم وساق، وان التحقيق بات في مرحلة متقدمة، والثاني هو ان المحكمة يحق لها ان تطالب بما تستحقه من ميزانية، لكي تتابع أعمالها الادارية والقضائيةraquo;، معتبراً ان laquo;ما ورد في التقرير قريب الى المنطق ومن السهل تفهمهraquo;. وشدد نجار، في حديث خاص لـ laquo;النهارraquo; من مكتبه في وزارة العدل وسط بيروت، ان laquo;لبنان وقع مع الامم المتحدة ومع المحكمة الدولية، وتحديداً مع مكتب المدعي العام فيها، اتفاقات دولية وثنائية، التزم بموجبها بمساندة كل طلبات المحكمة الدولية، ولكن ضمن حدود معينة، أولها الاصول المتبعة في لبنان، وهي أصول المحاكمات الجزائية، وثانيها احترام السيادة القانونية اللبنانية، وبالتالي فان كل الطلبات التي ترد الى لبنان، ترد وفقاً للاتفاقات، وتنفذ وفقاً لأصول المحاكمات اللبنانيةraquo;. واذ تساءل عن سبب الهجمة التي تتعرض لها laquo;القوات اللبنانيةraquo; أخيراً، رأى ان رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري laquo;أبدى حتى الآن ليونة عظيمة جداً، أحسده عليها، ولكنني أتفهمهraquo;، كما قال نجار.

تفاصيل الحديث مع الوزير نجار في الحوار الآتي نصه:

ماذا قرأت في التقرير الاخير لرئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي أنطونيو كاسيزي؟

ان واجبي المهني كوزير عدل في الجمهورية اللبنانية يمنعني من التعليق على تقرير صادر عن رئيس محكمة بالمطلق، لان السلطة القضائية شيء والسلطة التنفيذية شيء آخر. وأنا أمتنع عن التعليق على كل ما يصدر عن المحاكم من ايضاحات او احكام او اجتهادات، وهذا من موقع قناعاتي الشخصية ليس أكثر. أما من الخارج، وبشكل غير ملتزم في المعنى القانوني للكلمة، وكمراقب، أقول ان ما قرأته في تقرير كاسيزي ينقسم الى شقين. الشق الأول هو ان المحكمة تتابع أعمالها على قدم وساق، وان التحقيق بات في مرحلة متقدمة، والشق الثاني هو ان المحكمة يحق لها ان تطالب بما تستحقه من ميزانية، لكي تتابع أعمالها الادارية والقضائية. أما في ما خلا ذلك، وفي ما يتعلق بالتأكيدات الواردة في التقرير حول الجهة التي أتى منها منفذ عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، او ان الشبكة الارهابية الكبيرة بات يمكن تحديدها وتحديد ما نتج عنها من شبكات، فهذه الموضوعات لست في موقع التعليق عليها، أولاً لأنني لست أدري ما هي المستندات الثبوتية المتوفرة لدى المحكمة، ولم أستمع الى وجهة النظر المقابلة التي يمكن ان تدحض. لذلك، لست في موقع التعليق على التقرير. والسبب الثاني هو انني، الى حد كبير، أعتقد بان أعمال المحاكم الدولية بصورة خاصة، هي اعمال طويلة المدى ومتعددة الجوانب. هذا ما شهدناه في محاكمة زعماء يوغسلافيا السابقة وفي محاكمات سيراليون ورواندا وغيرهم، وهذا ما يحدث حتى الآن في محاكمات كمبوديا.

لكن تقرير كاسيزي فصل بين المحاكم الدولية المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية من جهة والجرائم المتعلقة بالارهاب من جهة أخرى، مشدداً على صعوبة التحقيق والمحاكم في جرائم الارهاب. هل هذا ينذر بان الفترة الزمنية لهذه المحكمة الخاصة بلبنان سوف تطول كثيراً؟

لا أدري.

برأيك، هل أعطى تقرير كاسيرزي تبريرات مقنعة للشعب اللبناني حول تأخير صدور مضبطة الاتهام الدولية؟

نعم. أعتقد ان ما ورد في التقرير قريب الى المنطق ومن السهل تفهمه.

لكن الا تعتبر ان المبالغة في عرض laquo;انجازاتraquo; المحكمة اللوجستية والادراية، قد تزرع نوعاً من الشك بجدية المحكمة ومصداقيتها، خصوصاً لدى المواطن اللبناني، الذي ينتظر تقارير المحكمة ويبحث عن الحقيقة في ظواهرها؟

ان أسلوب صياغة التقرير يعني رئيس المحكمة ولا أتدخل فيه. لكن أعتقد ان الطابع الاجمالي للتقرير يوحي بالثقة كثيراً.

كيف تفسر عدم توقيع الدول على اتفاقات التعاون مع المحكمة، وتحديداً سورية والولايات المتحدة وفرنسا ؟

من الواضح ان سورية تعتبر ان المحاكم السورية هي وحدها الصالحة للنظر في مساءلة الجناة، اذا ثبت ان ثمة جناة من التابعية السورية، وفي حال ثبت ضلوعهم في هذا العمل الارهابي الكبير.

ماذا عن غير سورية؟ فرنسا؟ الولايات المتحدة؟

الدولة الوحيدة التي أفصحت عن عدم موافقتها على توقيع اتفاقية ثنائية من هذا النوع هي سورية. ولم أفهم حتى الآن ما الاسباب التي قد تدفع بالولايات المتحدة وفرنسا الى عدم التوقيع. هل هذا يتعلق بالنظام الاستخباراتي لدى هاتين الدولتين؟ لست أدري. لكن الشيء الأكيد هو ان المحكمة الدولية او مكتب المدعي العام وقع مع منظمة الانتربول الدولي، اخيرا في سنغافورة، اتفاقاً يسهل التعاون على المستوى الدولي في هذا المضمار. وأعتقد بالتالي ان وسائل البحث والتحري قد توفرت لدى المحكمة الدولية.

تبدو متفائلاً بهذه المحكمة؟

الى حد كبير نعم. فأنا أؤمن بان القيمين على المحكمة محترفون، جديون، ويقومون بعملهم. لكنني لا أتعاطى معهم. وبصراحة أقول ان اللبنانيين قرروا ترك هذا الموضوع بيد المحكمة، وعدم اعتباره موضوعاً خلافياً في الداخل. ومن المفترض ان يجمِع كل اللبنانيين على هذا الامر.

لقد حصر التقرير الزامية التعاون مع المحكمة بلبنان، وتحت طائلة العقوبة، كما ورد فيه. الا ترى في ذلك انتهاكاً للسيادة اللبنانية في اتخاذ القرارات التي يراها اللبنانيون مناسبة؟

أولاً، كلمة laquo;عقوبةraquo; برأيي هي تعريب غير موفق وغير دقيق لما ورد في التقرير. من جهة ثانية، لقد وقع لبنان مع الامم المتحدة ومع المحكمة الدولية، وتحديداً مع مكتب المدعي العام فيها، اتفاقات دولية وثنائية، التزم بموجبها بمساندة كل طلبات المحكمة الدولية، ولكن ضمن حدود معينة، أولها الاصول المتبعة في لبنان، وهي أصول المحاكمات الجزائية، وثانيها احترام السيادة القانونية اللبنانية. وكل الطلبات التي ترد الى لبنان، ترد وفقاً للاتفاقات، وتنفذ وفقاً لأصول المحاكمات اللبنانية.

ننتقل الى ملف التعيينات القضائية. هل أنت راضٍ عن مسار هذه التعيينات؟ وأي تطور يشهده الجسم القضائي في لبنان اليوم؟

حتى الآن، أنا راض عن مسار التعيينات القضائية، ولكنني سأتابع في تحقيق الاهداف باذن الله، ومنها ورش الاصلاح في هيئة التفتيش القضائية، في مراجع قانونية بارزة مثل مجلس شورى الدولة، النيابة العامة المالية، غرف ديوان المحاسبة وغيرها. سنتابع هذه المسيرة بإذن الله، وألفت النظر تكراراً الى ان وزارة العدل قد حققت منذ يوليو 2008 حتى اليوم عدداً كبيراً من التشكيلات والتعيينات القضائية، على الرغم من كل ما اعترضنا من حملات واشكاليات ورفض سياسي وغير سياسي للمسار الذي انتهجناه. نحن قررنا ان نعيد للقضاء اللبناني البريق الذي يستحقه. وهذه المسيرة مشيناها خطى كُتبت علينا، وسنتابعها حتى النهاية.

في بلد كلبنان، الى اي مدى انت متفائل بنجاح القضاء في تحقيق الاستقلال التام عن السلطة السياسية؟

هذا الامر ربما يستوجب مزيداً من الوقت، لكننا على الدرب سائرون. وفي هذا الاطار، وضعنا استراتيجية تحديث شاملة لتحديد أوجه القصور في العمل القضائي اللبناني والسعي الى معالجتها، بالاضافة الى تطوير العمل القضائي وتفعيله. ولقد وضعت الوزارة مجموعة من الأهداف لا تزال تعمل على تحقيقها وهي: تعزيز الشفافية في العمل القضائي وتسهيل أمر ولوج الناس الى القضاء، تأكيد مبدأ احترام سيادة القانون واستقلالية القضاء، نشر المعرفة القانونية بين المواطنين وتعميقها وتوسيعها وزيادة وعي الحقوق والواجبات لديهم، تحقيق التواصل المستمر والاتصال الوثيق بالمواطنين والحقوقيين (القضاة والمحامون والموظفون وأصحاب العلاقة وغيرهم...)، تحديث القوانين وعصرنتها، رفع انتاجية المحاكم والوزارة، توفير الظروف والمناخات الملائمة للعمل، والاستعانة بوسائط تكنولوجيا المعلومات الحديثة لتطوير العمل القضائي. أما العناوين الرئيسية لحملة التطوير هذه والتي نلتزم بتحقيقها منذ سنة حتى اليوم، فهي: نحو قضاء مستقل عن السياسة، نحو تحديد فترة التوقيف الاحتياطي، نحو تسريع صدور الاحكام، نحو تطبيق قانون تخفيض العقوبات، نحو تشديد عقوبات العنف الأسري، نحو استبدال عقوبة الاعدام، ونحو انصاف المرأة أمام القانون.

على أي أساس ردت النيابة العامة التمييزية في لبنان الاستنابات القضائية المتعلقة بدعوى اللواء جميل السيد في سورية ضد شخصيات لبنانية بتهمة تضليل التحقيق في جريمة اغتيال الحريري؟

وزير العدل حول الاوراق في شهر ديسمبر 2009 الى النيابة العامة التميزية، وقامت هذه الاخيرة بمخاطبة نظيرتها السوري، ووجهت لها رداً صاغته بكل استقلالية، لم أتدخل فيه ولن أعلق عليه.

وفي حال تم اصدار أحكام غيابية يهدد بتنفيذها عن طريق الانتربول الدولي؟ هل يحق عندها اختراق حصانة بعض الشخصيات اللبنانية التي تطالها هذه الدعوى؟

هذا الموضوع قانوني بحت، لا يجوز لوزير العدل ان يتطرق اليه. وهو من صلب استقلال القناعة القضائية.

في السياسة: هل صحيح ان ثمة قراراً سورياً باستهداف د. سمير جعجع في محاولة لعزل laquo;القوات اللبنانيةraquo;؟ وكيف تفسر الهجمة التي تشن على laquo;القواتraquo; اخيرا؟

بالفعل هذا موضع تساؤل. وليس عندي الجواب عنه بعد. ولكن فعلاً هذا موضع تساؤل.

وهل توافق على ان هذه الهجمة يمكن ان تكون بهدف استفراد سورية برئيس الحكومة سعد الحريري؟

هذا السؤال سياسي بامتياز. وكل ما أستطيع ان أقوله هو ان رئيس الحكومة أبدى حتى الآن ليونة عظيمة جداً، أحسده عليها، ولكنني أتفهمه.