يوسف الكويليت

من يريد الدخول لمعمعة انتخابات السودان، لا يستطيع فهم ما يجري لأنه يركض وراء سراب، أو مناطق معتمة لا تدخلها الأضواء، ومع ذلك نستطيع أن نقول: إن الرئيس البشير لو أراد لاستمر بالحكم دون إثارة للخصومات وتحريك للعداوات من خلال الانتخابات، وحتى لو قبلنا أن الرجل يريد بهذا الفعل الحصول على شرعية لحكمه، فهل الحكام الآخرون بأفريقيا أو منطقتنا العربية يملكون هذه الشرعية؟!

دعونا نقول إن الأمور محسومة تلقائياً لرئاسة جديدة للبشير، وإذا قبلنا بأنه جيّر مصالح وسلطة الحكومة المادية والعسكرية لصالحه، فإن الأحزاب التقليدية والعائلية ليست في مستوى أن تكون قوة دفع للمواطن السوداني الذي فقد الثقة بالجميع ويريد تحقيق مطالبه المشروعة بالوظيفة والتطبب، والسكن، وغيرها، لأن جيلاً آخر حل محل الوجوه التقليدية، وتوسعت منافذ علاقاته مع العالم الخارجي، بينما تقاليد الأحزاب لا تزال تدور بنفس الفراغ القديم في رفع الشعارات التي تؤخر ولا تقدم..

تعقيدات الانتخابات، سواء من يتهم السلطة بأنها قامت بأكبر تزييف لها، أو من يدافعون عنها بأنها طبيعية وأن الانسحابات جاءت نتيجة فقدانها فرصتي التأهل والنجاح، فإن ما هو مجهول حتى الآن، أن نسمع صوت المراقب المحايد من الخارج وتقويمه للانتخابات، وحتى من هيئوا للانتخابات لازالوا يقرون بخروقات ولكنها تقنية، ومع أن المد والجزر قائم بين المنسحبين والثابتين، فالمشكل الأهم أن الغالبية بالقرى وبعض المناطق الكبرى لا يدركون حتى معنى الانتخابات نظرا لسيادة الأمية في الجنوب وفي دارفور، وعدم تأهيلهم لفهم المعنى والهدف منها.

هل هناك مزايدات بين المقترعين سواء أعضاء الحزب الحاكم، أو الأخرى، وإذا كانت مسيرة الانتخابات غير قانونية لماذا لم تشكل تلك الأحزاب ائتلافاً يضع الحكومة في الموقع الأضعف، وماذا بعد النتائج وإعلان الفائز، هل تنزلق السودان لحرب أهلية كما يحذر البعض، أم أن البشير يحكم سلطته على معظم مواقع السودان؟..

المؤشرات تقول إن الجنوب سينفصل، ولا معارضة من قبل الشماليين، وهي مسألة تخضع لإرادة شعبية طالما تحارب الشمال مع الجنوب من أجلها، لكن التعقيدات الأخرى ربما تبرز من خلال تداخل الشعبين مع بعضهما بالمصاهرة، والجوار والتعايش الطبيعي، والخطورة أن تبدأ قضية ترحيل طويلة لهذه العناصر لمواقعها الأصلية ما قد يخلق مشكلة شعبية وإنسانية..

في دارفور تظهر نفس المخاطر، وهي التي وضعت الرئيس على خط المواجهة والملاحقة في محاكمته لهذه الأسباب، والمشكل الآخر أن القيادة السودانية لا تزال في حالة تشابك مع الدول التي تحادها، وحتى الدول العربية لا تزال في حالة تماس معها، ومع ذلك لا ندري ما ستكون عليه حالات المستقبل القريب إذا ما استمرت الأوضاع بين شد المعارضة وتجاذب السلطة؟

عموماً السودان تخوض تجربة بعد ربع قرن، وربما تكون (بروفة) لإيجاد أرضية جديدة لانتخابات ديموقراطية أكثر نزاهة وشفافية.