صالح عبدالرحمن المانع


تمر العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بمرحلة شد وجذب شديدين، فقد تجاهلت إيران خلال العام المنصرم اليد التي مدها إليها الرئيس الأمريكي (أوباما) في عيد النوروز المنصرم عبر رسالته المشهورة والتي تضمنت اعترافاً أمريكياً كاملاً بالنظام السياسي الإيراني ورغبة في تحسين العلاقات التاريخية المتوترة بين الجانبين واعتبرت إيران ذلك بمثابة تراجع أمريكي تجاهها عقب السياسات المتشددة التي اختطها سلفه الرئيس جورج بوش.
وكالعادة، فإن إيران غالباً ماتنظر إلى الولايات المتحدة بنظرة شر مستطير، فالعبء التاريخي يؤثر حتماً في الصور الذهنية لكلا الجانبين. فنظرة إيران للولايات المتحدة تأخذ من التدخل الأمريكي السافر في قضية إسقاط حكومة مصدق عام 1952م، كمنطلق لا يمكن لأي سياسي تجاهله، وأما بالنسبة للولايات المتحدة فإن مسألة احتجاز الرهائن لأربعمائة وأربعة وأربعين يوماً في السفارة الأمريكية في طهران شكلت أيضاً جزءاً من الصورة الذهنية السلبية لدى الشعب الأمريكي تجاه الحكومة الإيرانية. ويحاول السياسيون على الدوام الانفكاك والانعتاق من الصور الذهنية المسبقة، غير أن السياسات الإيرانية الحالية تجاه المسألة النووية والاختراق في مجال حقوق الإنسان بحق المتظاهرين هذا الصيف، قد أثرت كذلك في صورة إيران الخارجية. كما أن الحملة الدعائية الهائلة التي تشن ضد إيران، ومحاولة إيران تطوير برامجها النووية بشكل متسارع تثير الكثير من الشكوك حول أهداف هذا البرنامج.
وتتبنى الحكومة الأمريكية حالياً سياسة احتواء لإيران، وتتضمن هذه السياسة فرض عقوبات دولية عليها. ويبدو أن آثار هذه السياسة قد وضحت حتى للشركات الأجنبية التي تخشى أن تطبق بحقها مثل هذه العقوبات في المستقبل. وقد بدأت بالفعل بعض هذه الشركات في تجنب الدخول في عدد من الاستثمارات في مجال النفط والغاز الإيراني، خشية من تبعاتها السياسية.
وكانت أولى هذه الشركات هي شركة توتال الفرنسية، إلا أن شركات أخرى هندية وماليزية وروسية وأوكرانية وغيرها قد حذت حذو الشركات الفرنسية.
كما قامت شركة مرسيدس بنز الألمانية ببيع جزء من حصة رأسمالها في شركة (خضرو) لصناعة السيارات الإيرانية، والخاصة بصناعة مكائن الناقلات والجرارات، وذلك خشية استخدام هذه الناقلات أو أجزائها الأساسية في الصناعات العسكرية الإيرانية.
بمعنى آخر، فإن الاقتصاد الإيراني لا يعاني فقط من عدم إقدام الشركات الكبرى على الاستثمار فيه، بل إن الضغوط السياسية على بعض الشركات المستثمرة في إيران قد أجبرت بعضها على تقليص استثمارها، أو حتى الانسحاب من ذلك السوق.
وهناك حملة إعلامية قوية تقودها إسرائيل وبعض الأجنحة المتطرفة في الولايات المتحدة تطالب بشن حرب استباقية ضد بعض الأهداف النووية الإيرانية.
ويبدو أن هذه الحملة ستزداد خلال العام المقبل بسبب ما يقال بتزايد القدرات التقنية الإيرانية خاصة في مجال التخصيب، والذي قد يقودها خلال فترة خمس سنوات مقبلة الى إنتاج رأس نووي.
وفي مقابل هذه الحملة الإعلامية والسياسية، هناك تيار في الولايات المتحدة يرى بأنه لابأس من حوز إيران على رأس نووي، فهي في النهاية لن تتمكن من استخدام مثل هذا السلاح ضد جيرانها أو أعدائها.
ويبدو في الحقيقة أن هذا الطرح يمثل قمة السذاجة، خاصة وأن الدول لا تستخدم مثل هذه الأسلحة إلا في الرمق الأخير، حين تكون عواصمها أو نظامها السياسي مهددا بالانهيار. ولكن في وجود النظرة التوسعية لبعض الأنظمة الإيديولوجية، فإن حصولها على سلاح نووي قد يشجع بعض المتطرفين من سياسييها على انتهاج نهج الهيمنة والتوسع ضد دول الجوار.
ولنا في الأحداث الأخيرة خير مثال، فعقب بيان القمة العربية في ليبيا بشأن الجزر الإماراتية المحتلة، قامت إيران بتشديد قبضتها الحديدية ضد المواطنين الإماراتيين في تلك الجزر ومنعت إرسال الإمدادات والمعونات والأطباء والمدرسين لخدمة مواطني دولة الإمارات في جزيرة أبو موسى المحتلة، بهدف إجبار أولئك المواطنين على الخروج منها.
وتبعاً لذلك، فإن المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران، وإن حاول كل طرف توظيف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لصالحه، فإن سياسة النفس الطويل وسياسة الاحتواء المصحوبة بالضغوط الاقتصادية، ستكون هي سياسة واشنطن المقبلة تجاه إيران.