منتصر الزيات

خيبتنا في نخبتنا.. معنى مر كالعلقم، كتبت عنه غير مرة أحاول أن أفسر معطيات سالبة تعطل حركة الجماهير في بلادنا العربية وتجعل المشهد العام راكدا رغم انتعاشه من حولنا في أماكن مختلفة من المعمورة شرقا وغربا، فقد وجدنا شعوبا لا تحظى بخبرات حضارتنا الإسلامية والعربية عبر التاريخ انتفضت وفرضت كلمتها فيما يجري باسمها في دهاليز الحكم والسلطة وأيضا في كهنوت الثروة وتقسيمها والسيطرة عليها.

كثيرون يفترضون في الشعب المصري الخوف من القمع، وآخرون يعلون من معيار quot;لقمة العيشquot; والفقر وانخفاض متوسط الدخل لمراحل لا تخضع لمقاييس علمية أو اجتماعية صحيحة معتبرة، وأكيد هناك قلة تفسر صمت الشعب وإحجامه برضاه عن quot; الحزب الوطني الحاكمquot;، وبرأيي المتواضع أن هؤلاء جميعا لم ينصفوا، قد تكون هناك نسب مئوية لتلك المعايير لكنها لا تتداخل في الموقف العام للشعب .

الشعب المصري لا يثق في المعارضة، ولا يجد في دوائرها من لديه القدرة على تحمل كلفة المواقف النضالية وسبق أن أشرت لتلك المعاني في مقالي الذي نشرته من اسابيع قليلة حول البرادعي والمحيطين به بما يغنيني عن إعادتها.

كانت الوثيقة التي فجر أسرارها الكاتب المصري quot;عمار علي حسنquot; عن صفقة وقعت بالأحرف الأولى بين الحزب الوطني الحاكم وبعض الأحزاب المعارضة على إحلالها محل quot;الاخوانquot; في البرلمان المصري في الانتخابات التشريعية القادمة، وهذا يعنى بمفهوم المسايرة رضاها عن التزوير الذي تعتزم ممارسته والاعتداء على ارادة الشعب وتلفيق ممثلين مزورين له في البرلمان !!

زلزالا لم يزل يترك آثاره في الحياة السياسية المصرية، ورغم أن أقدم تلك الأحزاب وهو quot;الوفدquot; نفي هذه المعلومات وحرك بلاغات عديدة ضد الصحيفة التي نشرت هذا الخبر وتفاصيل الصفقة، إلا أن الجريدة لم تعتذر حتى تاريخه، وصديقنا المفكر المصري لم يزل متمسكا بما كتب، ولا أتزايد لو قلت حتى لو نفت الصحيفة التي نشرت تفاصيل الصفقة عما نشرته، ولو اضطر الكاتب للاعتذار .

فإن تقدير تحرك الاحزاب المشار إليها في عيون الشعب بما يحجب ثقته عنها أكبر من الوثائق والمستندات الكاشفة لكنها لم تكن منشئة لهذه الحقيقة، فالشعب بات ينظر إلى هذه الاحزاب على أنها شيء مكمل للحزب الحاكم، لا تتحرك إلا بضوء أخضر من دوائر السلطة، يسهرون معا، ويلتقون معا، ويجتمعون معا في الغرف المغلقة، يتفقون على توزيع الأدوار، يتفقون على مستوى المعارضة في نبرات صوتها وفي حسم سطورها وفي حجم النقد الذي يقدمونه !

والسؤال الذي يحتاج لشفافية في البحث والرصد قبل الاجابة ما السبب في عدم حصول هذه الاحزاب على مقاعد مناسبة في الانتخابات البرلمانية السابقة؟ ما سبب عدم إقبال الجماهير على مؤتمراتها الآمنة داخل مقاراتها؟ وعدم اقبالهم على فعالياتها؟ الشعب لم يعد يثق فيها، القوة الوحيدة التي لديها القدرة على شحن وحشد طاقات الجماهير هي التيار الاسلامي وأبرز فصائله الاخوان المسلمون والانتخابات الاخيرة في مصر اسفرت عن قوتين أساسيتين هما الحزب الوطني والاخوان المسلمون!!

لكن الاخوان يتعرضون لمضايقات أمنية كثيرة لتعطيل حركتها واضعاف اقتصادها وبالتالي ارهاق كوادرها وتحجيم تواصلها مع الشارع اكتفي قادة الاحزاب المصرية quot;بالبرستيجquot; الذي منحته إياهم دوائر السلطة سواء باستقبال الرئاسة لهم ودعوتهم للصفوف الاولى في المناسبات الكبرى المختلفة، وتعيين بعضهم في مجلس الشورى، ومنحهم مخصصات مالية سنوية للصرف منها، والسكوت عن تجاوزات بعضهم في مجالات مختلفة في أحزابهم أو أعمالهم الخاصة وتوفير سبل quot; البزنسة quot;.

لا يتوقف الأمر برأيي على الأحزاب السياسية التي كانت توصف بالمعارضة، أو بعض النخب التي اعتادت تصدر المشهد محسوبة على المعارضة الشعبية، لكن والأخطر على المؤسسات الاعلامية التي توصف بالخاصة أو المستقلة أو المعارضة، والتي اكتسبت اهميتها وزادت مبيعاتها نتيجة اقبال الشعب على قراءتها هربا من المؤسسات القومية أو الحكومية، وأصبحت برامج التوك شو تنفذ بإتقان لتؤدي مهمة محددة هي تنفيس مصادر الكبت لدى الشعب وهي مهمة يؤديها البعض بمهارة وتخطيط خاصة في التلفزيون المصري الرسمي، فبرنامج البيت بيتك الذي تحول ليصبح مصر النهاردة أكبر دليل على هذه السياسة الانتهازية، فالذي يختار ضيوف البرنامج مسئولون بارزون في الاعلام المصري يشاع أنه وزير الاعلام شخصيا، ولا يسمح طبعا بإثارة قضايا حقيقية ولا باستضافة معارضين حقيقيين، وإنما تثار قضايا وهمية تشغل الناس أو يشغلون بها الناس وبالطبع الضيوف في حدود تلك القضايا، والقنوات الخاصة المصرية لا تختلف كثيرا عن الشاشة الرسمية الحكومية، يمكن برامج محدودة جدا يحاول أصحابها أو محاوروها أداء دور جاد قدر استطاعتهم في صدارتهم الاعلامي معتز الدمرداش فبرنامجه الوحيد الذي تعامل مع قضية غرق العبارة السلام 98 بحياد شديد وموضوعية وشفافية ومهنية وغيرها من القضايا، بينما إعلامي شهير على قناة سعودية لبرنامج مصري يدغدغ عواطف المشاهدين في قضايا محددة لا يستطيع تجاوزها وعند القضايا الجادة المرتبطة بمستقبل الديمقراطية في البلاد ينحاز فورا إلى دوائر السلطة والحكم!!

وفي قضية رجل الاعمال المعروف هشام طلعت مصطفى كان موقفه مشبوها في غاية الريبة لا يتوافق مع كون مجموعة شركات طلعت مصطفى ضمن الرعاة الداعمين للبرنامج، كان بوسعه الصمت أو قصر المعلومات على الرسمي منها في إطار التغطية المعتادة لاخبار المحاكمة، لكن الانحياز الفاجر كان فوق الوصف لهشام طلعت وشركاته ومصالحه ومواقفه على حساب الموضوعية والشفافية والنزاهة.

ساذج من يتصور أن الصحف الخاصة في مصر لديها هامش حرية حقيقي ذلك وهم لا أساس له من الصحة، قد يكون لها هامش أكثر اتساعا طبعا من الصحف القومية الحكومية، لكن البون شاسع جدا بينها وبين مضمار الحريات العامة والنزاهة ومعايير المهنة.

كتبت في صحيفة خاصة جدا عن قضية فساد وتربح واتجار في الاراضي بإحدى محافظات مصر التي تشتهر بالسياحة والفندقة، حتى فوجئت برئيس التحرير يصادر حقي في النشر في مساحة الرأي بما يعني مسؤولية الكاتب عما يكتب خاصة اذا كان ما يكتبه موثقا بالمستندات ولم يزل الغموض يحيط بسبب منع نشر مقالاتي حول قضية الفساد في تلك المحافظة علما بأن الذين تناولتهم في مقالاتي لم يقيموا ضدي أي قضايا أو بلاغات حتى تاريخه.

نفس الأمر تكرر معي في صحيفة معارضة أو خاصة جدا أخرى، أثرت على صفحاتها قضية تجاوزات أخرى ضد شركة كبرى في مجال الاعمار بمصر، صحيح أنني استطعت مواصلة مقالاتي، لكن واجه محاولة تحويلها لقضية رأي عام ونشر المستندات والصور فيتو من صاحب الجريدة لصداقته بصاحب الشركة.

هؤلاء هم حماة الفساد في مصر.. وعجبي