خيرالله خيرالله

كانت مفيدة زيارة اليمن هذه الايام للتأكد من ان العنف والسلاح لا يحلان اي مشكلة، كذلك التصعيد في لهجة الخطاب السياسي. فقد عكست الاحتفالات بالذكرى العشرين للوحدة اليمنية امرين اساسيين. الاول ان هناك مبالغات في الاعلام لمدى خطورة الاضطرابات التي يشهدها البلد والآخر الرغبة القائمة لدى السلطة اليمنية في تجاوز الوضع الراهن quot;تحت قبة المؤسسات الدستوريةquot; على حد تعبير الرئيس علي عبدالله صالح نفسه. هذه الرغبة تبدو موجودة على أعلى المستويات. وهذا يجعل ممكنا القول ان الوضع اليمني معقد، خصوصا في ظل الازمة الاقتصادية التي يمر بها البلد المهم استراتيجيا لكل العرب، خصوصا لدول الخليج، ولكنه ليس وضعا ميؤوسا منه كما يقول الحاقدون على اليمن... وما اكثر هؤلاء!
ما يؤكد ان هناك مبالغة ترافق الحديث عن اضطرابات امنية في اليمن ان الحياة عادية في صنعاء وان الانتقال الى تعز بالسيارة لا تشوبه شائبة على الرغم من ان طول الطريق المتعرج الذي يخترق جبالا خضراء في غاية الجمال يبلغ نحو مئتين وثلاثين كيلومترا. هذا لا يعني ان الامن مستتب مئة في المئة في كل المناطق بمقدار ما يكشف ان ليس صحيحا ان البلد على كف عفريت. هناك في الواقع مشاكل وتعقيدات كثيرة في اليمن ولكن هناك في الوقت ذاته قيادة سياسية باتت، مع مرور الوقت، تؤمن بأن لا حلول عن طريق استخدام السلاح. اكثر من ذلك باتت هناك قناعة بان لا بديل من الحوار متى كانت هناك نيات حسنة تستند الى فكرة تجاوز احداث الماضي، مهما كانت أليمة، من جهة والاعتراف في الوقت ذاته بوجود مشاكل حقيقية وعميقة من جهة اخرى. ان الاعتراف بهذه المشاكل، أكان ذلك في صعدة او في بعض مناطق الجنوب والوسط يشكل خطوة أولى على طريق البحث عن حلول بدل الغرق في هذه المشاكل التي لا يمكن ان يستفيد منها أي يمني كان... باستثناء المنتمي الى quot;القاعدةquot; وما شابهها من تنظيمات ارهابية.
ما يشير الى الرغبة في التوصل الى حلول، الخطاب الذي القاه الرئيس اليمني مساء الجمعة الماضي عشية الاحتفال بالذكرى العشرين للوحدة. قال الرئيس اليمني في خطوة تستهدف تجاوز الوضع الراهن: quot;اننا في هذه المناسبة، ندعو كل اطياف العمل السياسي وكل ابناء الوطن في الداخل والخارج الى اجراء حوار وطني مسؤول تحت قبة المؤسسات الدستورية دون شروط او عراقيل مرتكزا على اتفاق شباط- فبراير الموقع بين المؤتمر الشعبي العام واحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب من اجل بناء يمن الـ22 من مايو (ايار) والـ26 من سبتمبر (ايلول) والـ14 من اكتوبر (تشرين الاول) وتعزيز بناء دولة النظام والقانون والابتعاد عن المشاريع الصغيرة والمكايدات السياسية والعناد والانانية والتعصب الفردي والمناطقي والطائفي والسلالي (...)quot;.
تبدو دعوة علي عبدالله صالح أساسا صالحا لفتح صفحة جديدة مع الجميع. فما كان ملفتا في كلمته اشارته الى quot;الشريك الاساسي في صنع الوحدةquot;، اي الى الحزب الاشتراكي اليمني. وفي ذلك اعتراف بان اليمن يبنيه الجميع ويحافظ عليه الجميع وان ليس في الامكان استبعاد اي طرف او اجتثاثه. لا أحد يلغي احدًا في اليمن ذي التركيبة المختلفة عن أي بلد آخر في المنطقة وربما في العالم.
كان ملفتا على هامش الاحتفالات بالوحدة عدم اكتفاء علي عبدالله صالح بالإشارة الى quot;إمكان تشكيل حكومة من كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النوابquot;، وهذا يعني في طبيعة الحال تمثيل الحزب الاشتراكي، الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة، في الحكومة. هناك امور اخرى لفتت الاوساط السياسية في صنعاء. من بين هذه الامور ان الصحف والمجلات اليمنية، وبينها صحف ومجلات قريبة من السلطة الى حد كبير، نشرت للمرة الاولى منذ حرب العام 1994 التي خاضها الحزب الاشتراكي من اجل تحقيق quot;الانفصالquot; صورا للسيد علي سالم البيض الامين العام السابق للحزب الاشتراكي الذي كان رأس الحربة في حرب الانفصال، بعدما لعب دورا حاسما في تحقيق الوحدة الاندماجية في العامين 1989 و1990، والسيد حيدر أبو بكر العطاس الذي كان رئيس الدولة في الجنوب ثم رئيس الوزراء في دولة الوحدة. وكانت تلك الصور، في مناسبة توقيع اتفاق الوحدة في عدن، تعبيرا عن الاعتراف بدور البيض والعطاس في تحقيق ذلك التحول في تلك المرحلة المهمة من تاريخ اليمن الحديث.
يبدو السؤال المطروح الان، هل رفض البيض للحوار واللهجة التصعيدية التي اعتمدها ردا على خطاب علي عبدالله صالح موقف نهائي أم لا؟ وهل موقف البيض يمثل ايضا موقف العطاس الذي لا يبدو معترضا على الحوار، خصوصا اذا كانت البداية خارج اليمن واذا كان البحث سيركز على صيغة وحدوية مرنة؟ وماذا عن الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد الذي صار قريبا جدا من العطاس في السنوات القليلة الماضية كما تصالح مع البيض في بيروت قبل نحو اربعة اشهر؟
المهم الان، ان الرئيس اليمني طرح أسسًا للحوار. الرد على كلامه لا يكون بالتصعيد ولا بالمواقف المتشنجة. يفترض في كل من يبحث عن خروج اليمن من ازمته الحقيقية العودة الى الخلف قليلا. في العام 1994 مثلا، لم يلجأ علي عبدالله صالح الى الحسم العسكري الا بعد استنفاد كل الوسائل الاخرى، خصوصا الحوار. وقد قبل بتوقيع quot;وثيقة العهد والاتفاقquot; في عمان في شباط من تلك السنة على الرغم ان كل بنودها كانت في مصلحة الحزب الاشتراكي. في 1994 كان مطلوبا تفادي اللجوء الى السلاح مجددا. في السنة 2010 يبدو مفيدا الاستفادة من تجارب الماضي القريب. هناك أسس واضحة لحوار. ما الذي يمنع استكشاف آفاقه ودفن الاحقاد بدل إثارة مزيد منها؟