إبراهيم غرايبة

يمكن بسهولة الربط بين الإرهاب والقرصنة وبين الدول الفاشلة والمتخلفة على نحو يشجع على الاستنتاج بأن الإرهاب نفسه هو من النتائج الطبيعية لفشل الدول وفسادها، مثله مثل الظواهر الأخرى التي تتفشى مع غياب الدول وفشلها، مثل عصابات السطو وغياب الأمن وتفشي الجرائم والرشاوى.
في أزمة القرصنة والإرهاب وإلقاء النفايات السامة في السواحل والصحارى المتمركزة اليوم في الصومال وكثير من دول إفريقيا يمكن بداهة الربط بين هذه الجرائم وبين غياب الدول وفشلها وفسادها وضعفها، ويمتد ذلك بالطبع إلى أفغانستان والعراق وباكستان واليمن، ومن المؤكد أنه في اللحظة التي تنشأ فيها دول صالحة وقادرة فإن العنف والفوضى والإرهاب ستتلاشى بطبيعة الحال وربما تلقائيا.
وفي دراسة مطولة أعدتها سوزان رايس الباحثة في معهد بروكنغز للسياسات العامة حول استراتيجية الأمن القومي الأميركي، تركيز على الأخطار الآتية من دول ضعيفة وفقيرة مثل أفغانستان واليمن ودول كثيرة في إفريقيا، فهذه الدول أتاحت فرصا للجماعات المسلحة التي تستهدف مصالح أميركية للعمل والتخفي، والاستفادة من ضعف الدول ومؤسساتها وغياب القانون والأمن.
وتؤدي الأوضاع القائمة في الدول quot;الهشةquot; إلى نزاعات إقليمية أوسع يمكن أن تضعف الأمن وأن تعيق التنمية في هذه المناطق، فعلى الرغم من أن النزاعات في كل من سيراليون والكونغو والسودان هي نزاعات داخلية إلى حد كبير، إلا أنها تمتد لتشمل عدداً من الدول الأخرى على نحو مباشر، وفي بعض الحالات المستعصية عملت هذه الصراعات على تفاقم الظروف في دول الجوار كما هو الحال في تأثير النزاع في سيراليون على غينيا. والنزاع في الكونغو على زيمبابوي، وأدى ذلك إلى موجات الهجرة والتسلل عبر الحدود، وتفاقم الاضطرابات الإقليمية وتعزيز تشكيلات الخارجين على القانون، وانتشار الأسلحة، وتنامي الفقر وهدر جزء كبير من الأموال والمساعدات الخارجية في مواجهة الفقر بدلا من المشروعات التنموية، وهذه المساعدات نفسها والضئيلة ابتداء تتعرض للفساد والإفشال، وتستولي العصابات المسلحة في كثير من الأحيان على ثروات الدول الهشة وتسيطر على حركة تصديرها إلى الخارج مثل استخراج وتصدير الألماس والكولتان.
وتبدي استراتيجية الأمن القومي الأميركي اهتماماً جوهرياً بالمزايا التجارية المرتبطة بدول العالم النامي، ولكن الأهداف والأدوات اللازمة لإطلاق النمو الاقتصادي كما حددته الإستراتيجية لا تنطبق على الدول الهشة، ولا تدخل هذه الدول ضمن نطاق المفاوضات التي تجربها سلطة تشجيع التجارة لعقد اتفاقيات تجارة حرة مع العديد من دول العالم النامي، ولا تدخل هذه الدول كذلك ضمن قانون quot;الفرص والنمو في إفريقياquot;، ولكن سمح لبعض الدول الهشة بتصدير كميات قليلة من المنتجات الزراعية والمعادن والسلع الخفيفة إلى الولايات المتحدة.
وبرغم تأكيد استراتيجية الأمن القومي الأميركي على تعزيز الدول الإفريقية الهشة فإن الإدارة الأميركية خفضت دبلوماسيتها النشطة في إفريقيا، وفي تصريح
استفزازي محير وغريب يقول مسؤول بريطاني رفيع المستوى في أثناء زيارته لأفغانستان: إننا لسنا من
المعنيين بمساعدة أفغانستان البلد الذي لم يغادر بعد القرن الثالث عشر، ولكننا هنا لحماية أمننا القومي، دون أن يلاحظ العلاقة بين تهديد الأمن وبين الفقر والتهميش الاقتصادي، ودون أن يلاحظ مسؤولية بلاده عن نشوء الإرهاب وتهديد العالم.
ويبدو أن واشنطن قد أسقطت من حساباتها تماماً التحديات المرتبطة بمرحلة ما بعد النزاع في بعض الدول مثل
هاييتي وأنغولا وسيراليون، ويجب في كل حالة من هذه الحالات القيام بخطوات مهمة في مجال عملية بناء الدولة، وذلك بدءاً من إعادة دمج المحاربين وتدريبهم إلى بناء المؤسسات.
ويجب على الإدارة الأميركية -وفق الدراسة- أن تراهن على قضية السلام حتى وإن كان السلام يبدو ضرباً من الأوهام. ومع أنه لا توجد ضمانات بنجاح جهود حل النزاعات، إلا أن فشل هذه الجهود لن يؤدي إلى خسارة كبيرة إذا ما اتسمت الجهود المبذولة بالمصداقية، بل على العكس فإن فرص انتقاد السياسة وصناع القرار ستزداد بحدة فيما لو لم تبذل جهود كافية لمواجهة التهديدات التي يتم تحديدها.
يجب التدخل المبكر وبقوة عند وجود خطر وشيك أو قائم في الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا وإفريقيا، ويجب على الولايات المتحدة أن تستمر في جهودها الفاعلة لإنهاء حالة التوتر بين الهند وباكستان وحل النزاعات في كولومبيا والسودان، وفي الوقت نفسه يجب على الولايات المتحدة أن تقدم دعماً لوجستياً ومالياً لتعزيز جهود حفظ السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة في سيراليون والكونغو، وفي غرب إفريقيا، فإنه يجب على الإدارة الأميركية أن تدرك المخاطر الوخيمة التي قد تترتب على حالة الهشاشة السياسية في نيجيريا، وأن تدعم الحكومة الديمقراطية هناك بغض النظر عن بعض مبادئها، وذلك من خلال شطب ديونها وعدم الاكتفاء بالعمل على بقاء هذه الحكومة.
ويجب أن يستأثر الوضع المعقد والصعب في الصومال باهتمام متزايد من قبل واشنطن. وقد وقعت الفصائل الصومالية المتحاربة مؤخراً ما يمكن اعتباره اتفاقية سلام مبشرة، وإذا نجحت هذه الاتفاقية فإن على الولايات المتحدة أن تتعهد بتقديم مساعدات اقتصادية إلى الصومال، وأن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي لتقديم الدعم اللوجستي إلى الدول المجاورة إذا قامت هذه الدول بنشر قوات لحفظ السلام؛ من أجل مراقبة عملية وقف إطلاق النار.