محمد عيادي


من سوء حظ الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يتزامن الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية مع مرور سنة على خطابه للعالم الإسلامي بالقاهرة ووعده ببناء علاقات جديدة معه مبنية على الاحترام.
وخيَّب موقف أوباما من الاعتداء المذكور, وعرقلة إدارته لصدور بيان قوي اللهجة من مجلس الأمن ضد إسرائيل, آمال الكثيرين، وجعلهم يميلون للرأي القائل إن الرجل أطلق وعوداً -سواء خلال حملته الانتخابية أم في الخطاب المذكور- لا يقدر على الوفاء بها.
وفيما طالب أوباما بتجميع الحقائق حول الاعتداء على أسطول الحرية لتتضح له الصورة، ثار العالم في الغرب والشرق استنكارا وإدانة ورفضا لجريمة القرصنة الإسرائيلية في المياه الدولية، وقتل نشطاء مدنيين مسالمين.
ويستند الذين جزموا بأن أوباما لن يفي بوعوده للعالم الإسلامي، وأنه مكبل بلوبي صهيوني أخطبوطي، إلى خطاب الرجل أمام مؤتمر للجنة الصهيونية الأميركية للشؤون العامة المعروفة بـ laquo;الإيباكraquo; الذي كان دقيقا وواضحا، حيث قال: laquo;أي اتفاقية مع الفلسطينيين يجب أن تحترم هوية إسرائيل كدولة يهودية، دولة ذات حدود آمنة سالمة محصنة والقدس ستبقى عاصمة إسرائيل ولن تنقسم. سوف أدافع دوما عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في الأمم المتحدة وحول العالم، وكرئيس لن أقدم أية تنازلات إذا ما تعلق الأمر بأمن إسرائيلraquo;.
هذا النص يفسر بوضوح موقف الإدارة الأميركية من الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية، ولعله من الأسباب التي جعلت المفكر الأميركي نعوم تشومسكي يدعو في محاضرة له مؤخرا بالأردن بعدما منعته إسرائيل من دخول رام الله، إلى مفاوضات مباشرة حول قضية الصراع العربي الإسرائيلي بين الإدارة الأميركية وبين المجتمع الدولي، وليس بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لأن جوهر المشكلة حسب رأيه في دور الإدارة الأميركية الداعم للحكومة الإسرائيلية.
ويعتقد تشومسكي، أنه لو التزمت الولايات المتحدة بنفس المبادئ التي التزم بها المجتمع الدولي في جنوب إفريقيا، لفعلت مع إسرائيل نفس ما قامت به مع حكومة جنوب إفريقيا العنصرية.
ولعل في ردود فعل عدد من الدول الغربية والاتحاد الأوروبي وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا تخفيفا من صدمة موقف إدارة أوباما من جريمة إسرائيلية واضحة المعالم، عندما أدانت ما حصل لأسطول الحرية ولم تقبل به ودعت لفك الحصار عن غزة.
وقد يقول قائل: إن هذه الدول تريد أن تخرج إسرائيل من ورطتها وعزلتها الدولية المتصاعدة، فليكن ذلك إذا كان سيتم برفع حصار ظالم عن غزة، وبدور أوروبي فعال فيما يسمى بملف السلام في الشرق الأوسط، لا يبقيه رهينة لوسيط غير نزيه وغير محايد، ولعله يدفع الإدارة الأميركية لمراجعة حساباتها.
لقد حان الوقت وجاءت الفرصة لدعم دور أوروبي للملف المذكور، وما هو مؤكد، أن الوجه القبيح لإسرائيل بات مكشوفا في الغرب قبل غيره إلا من أبى، ويصعب تغطيته وإخفاؤه بعد انهيار البروباغندا الصهيونية، ولم تعد مناقشة إسرائيل وما تقوم به في فلسطين المحتلة يخيف الناس من الحديث عنه وانتقاده, بدليل الانتقادات اللاذعة التي وجهتها الصحافة البريطانية على سبيل المثال للهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية، الأمر الذي لم يكن يحصل بنفس القوة من قبل.
وفي هذا السياق قال الصحافي الفرنسي ميشيل كولن صاحب كتاب laquo;لنتحدث عن إسرائيلraquo; في مقال له يوم الاعتداء على أسطول الحرية: laquo;إن إسرائيل باتت دولة فاشية وعلينا إيقافها بعد اعتدائها على نساء وأطفال غزة وقصف المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف، واستعمال أسلحة كيميائية، ها هي الآن تعتدي على النشطاء المدنيين والإنسانيين الأوروبيين والدوليينraquo;.
وسبق للفيلسوف الفرنسي ومستشار فرنسوا ميتران روجيس دوبري أن فضح في كتابه laquo;إلى صديق إسرائيليraquo; ما رآه من معاناة الشعب الفلسطيني الأعزل والممارسات الإسرائيلية اللاإنسانية المخالفة لكل المواثيق الدولية والإنسانية، مشيراً إلى أن laquo;إسرائيل تقدم نفسها على أنها بطلة للغرب بالشرق الأوسطraquo;.
وكان روجيس دوبري أنجز بتكليف من الرئيس السابق جاك شيراك تقريرا حول تعايش الأديان بالمنطقة، إلا أن التقرير ظل طي الكتمان لأن خلاصاته كانت ضد إسرائيل، إلى أن أخرج الرجل سنة 2008 معطياته في كتاب laquo;بريء بالأرض المقدسةraquo;.
إن الهجوم على أسطول الحرية شكل نقطة تحول استراتيجية في الصراع العربي الإسرائيلي، تدعو بإلحاح النظام العربي الرسمي لإعادة النظر في طريقة التعامل مع هذا الصراع, خاصة في ظل الموقف التركي المساند لحقوق الفلسطينيين.
لا يمكن الرهان كما يعتقد البعض بشعبوية وغضب من النظام العربي على تركيا لتكون رأس الحربة في الصراع مع إسرائيل، لأن للأتراك مصالح دولية لا يمكن أن يغامروا بها لأجل طرف عربي غير قادر على مجرد التهديد بسحب المبادرة العربية, بل وسحبها ما دامت إسرائيل لم تعبأ بها.
وواهم من يعتقد أن تركيا ستصل في غضبها لدرجة قطع علاقتها مع تل أبيب, بدليل تصريحات رسمية لمسؤولين أتراك، فإذا كانت دول عربية هي الأخرى تقيم علاقة دبلوماسية مع إسرائيل لم تستدعِ سفراءها حتى لمجرد التشاور، فما بالك بقطع العلاقات. لا تحمِّلوا تركيا أكثر مما تحتمل.