زهير فهد الحارثي


إن خادم الحرمين الشريفين بعروبته وصراحته وحزمه يعكس في واشنطن اليوم أهمية وتفاعل هذا الحراك السعودي الذي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن هموم العرب وقضاياهم حيث تمثل إعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني أول أولوياته حين التواصل مع المجتمع الدولي

ما يحسب للدبلوماسية السعودية أنها تتحرك عندما تستشعر بأن ثمة ضرورة للقيام بذلك، لأنها موقنة بأن التحديات في المنطقة تتطلب تحركا فاعلا، لاسيما في ظل إفرازات سلبية للأحداث وصعوبة اتفاق الأطراف المؤثرة على تشكيل الواقع الإقليمي الجديد لاختلاف الأجندات والأهداف.

تحديات تمثل هاجسا لدى القيادة السعودية تتمثل في القضية الفلسطينية وجمود عملية السلام، وقضية الصراع الطائفي الذي بات يهدد دول المنطقة، والتأثير السلبي على أسواق النفط بسببها ، واختلال توازن القوى بعد ما حدث في العراق وظهور المد الإيراني بسياستها التصعيدية وبرنامجها النووي.

ولذا فالقمة السعودية الأميركية التي تنعقد اليوم لها دلالاتها العميقة، وهي التي تستند على علاقات اتسمت بالتميز على مدى عقود من الزمان، لا سيما في مغزى اللقاء وأهميته توقيتا ومكانا، فضلا عن أهمية محاوره ، وهي قضايا في غاية الأهمية ستُثار على طاولة الزعيمين.

على أن الدبلوماسية السعودية تؤمن بالحوار واللقاءات المباشرة، وزيارة بهذه الأهمية لملك بهذا الحجم لدولة عملاقة ومؤثرة في المسرح الدولي لا بد وان ينتج عنها انفراج سياسي وحلحلة ملفات مازالت معلقة ، وستساهم في خلق أجواء تهدئة في منطقتنا بدلا من التصعيد والتأزيم.

على أن مجيء الديمقراطيين للبيت الأبيض كان حدثا مهما للعالم لاسيما بعد حقبة بوش المزعجة، فالديمقراطيون هم اقرب إلينا وأكثر تفهما لقضايانا وثقافاتنا المحلية في منطقة الشرق الأوسط، وهم ينزعون إلى المثالية كنهج في تحقيق الأهداف العليا وهذا يعني احترام الشرعية ومبادئ القانون الدولي ، وحل الصراعات بالطرق الدبلوماسية والسلمية وعدم تشجيع التسلح .

غير انه لم يكن غريبا حجم الترحيب والتفاؤل والارتياح الذي قوبل به خطاب الرئيس اوباما للعالم الإسلامي ،والذي استشهد فيه بآيات من القرآن وانخرط مشيدا بالحضارة الإسلامية وتسامحها، ومع ذلك تساءل البعض عن كونه خطاب علاقات عامة أم انه برنامج عمل، بدليل أنه لم يستطع حتى الآن ترجمة مضامين خطابه في القاهرة إلى واقع ملموس ، مما اوجد شعورا بالإحباط وخيبة الأمل لدى العرب في عدم قيام الإدارة الأميركية الحالية بتنفيذ ما وعدت به.

على أي حال، رسالة الرياض لواشنطن واضحة تتمثل في أن تتحمل مسؤوليتها في إقرار السلام في حل الصراع العربي الإسرائيلي ، وأن تضغط باتجاه دعم حل الدولتين. فبقاء القضية بهذا الشكل سيفتح الباب على مصراعيه للحروب والتطرف والدمار.وحسب المراقبين،فان الإدارة الحالية لم تضغط على إسرائيل بما يكفي لإحياء عملية السلام.

ان خادم الحرمين الشريفين بعروبته وصراحته وحزمه يعكس في واشنطن اليوم أهمية وتفاعل هذا الحراك السعودي الذي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن هموم العرب وقضاياهم حيث تمثل إعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني أول أولوياته حين التواصل مع المجتمع الدولي، فضلا عن الأوضاع في العراق ومكافحة الإرهاب ، ومسألة تجنيب المنطقة أي توتر قد يقود لحرب قادمة.

وفي حضور الدبلوماسية السعودية بهذا الثقل والتأثير سواء في اجتماعات العشرين بكندا أو دعم القضايا العربية في واشنطن، يمثل بلا شك قلقا حقيقيا لإسرائيل وجماعة اللوبي الصهيوني من ايباك وغيره ، لان هذا يعني حضور صوت مؤثر وعقلاني سيجد من يستمع إليه ويقتنع بمقولاته، ولذا فالأوساط الليكودية داخل الولايات المتحدة تعلم بان السعودية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تستطيع أن تؤثر على صاحب القرار في البيت الأبيض، وبالتالي من الضرورة بمكان تحجيم دورها أو تشويهه أو تحييده إن أمكن، وذلك عن طريق حملات إعلامية رخيصة هدفها تشويه سمعة السعودية من خلال افتراءات وأكاذيب متهمة إياها بأنها laquo;العدوraquo; وأنها تمول الإرهاب.

غير أن السعودية باتت لا تؤثر فيها هذه الاسطوانات المشروخة كونها اعتادت عليها، وستبقى تدافع عن القضايا العربية، ولذا فهي ترى وجوب تفعيل القرارات الشرعية الدولية،وتطالب بإيجاد آليات واضحة لتطبيقها من اجل الحل النهائي وليس التسويف والمماطلة والتأجيل الذي تميزت به إسرائيل.

ان السعودية من أكثر الدول التي دعمت الفلسطينيين منذ عقود، كون القضية الفلسطينية احد المرتكزات الأساسية للسياسة الخارجية التي وضعها المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز ، ولعلنا نذكر موقفه الشهير آنذاك بان لا مساومة على القضية الفلسطينية لدرجة أن وصفه الزعيم البريطاني تشرشل آنذاك بأنه عنيد حين الحديث عن فلسطين. لقد وقفت السعودية مع القضية حربا وسلما ، ولعبت دورا محوريا فيها بتوفير الدعمين السياسي والمادي، إيمانا منها بان ما تقوم به من جهود تجاه القضية إنما هو واجب يمليه عليها عقيدتها وضميرها وانتماؤها لأمتها العربية والإسلامية ولذلك طرحت مبادرة لحل الصراع الإسرائيلي ، وتبنتها قمة بيروت عام 2002 لتحدد المطالب العربية إزاء هذا الصراع.كما انه في المقابل ترى السعودية ضرورة وجود مصالحة فلسطينية حقيقية، ووجود توافق فلسطيني حول إستراتيجية لإدارة الصراع، فالانقسام اضعف حضور القضية في المحفل الدولي.

إن على الولايات المتحدة أن تكون راعيا محايدا وغير منحاز،ولعل في المبادرة العربية الأمل لخلق الأمن في إسرائيل وإنهاء دائرة العنف ،فهي الحل والبديل والفرصة، لأنه بمجرد التزام وتطبيق إسرائيل للمبادرة العربية، فان السعودية هي الوحيدة والقادرة بإعطاء إسرائيل الشرعية والاعتراف الإقليمي،أما إذا استمرت في مماطلتها واستمرار مسلسلها العدواني والإجرامي تجاه إخواننا الفلسطينيين فانه بكل تأكيد لن يتحقق لها الأمن ولن يغفو لها جفن .

على أن هناك من يرى أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تعيش المنطقة باستمرار في حالة من عدم الاستقرار ؛مما يجعل تدخلها مبررا لطلب الحماية أو المساعدة.

هذا المناخ يهدف إلى حالة اللا سلم واللا حرب ، مما يعني خلق تهديدات لدول المنطقة كما حدث مع العراق سابقا، ويتكرر نفس السيناريو الآن مع إيران، مما يسمح لها في البقاء في المنطقة من جهة ، ودفع دول المنطقة لشراء الأسلحة بصفقات كبيرة من جهة أخرى. وبغض النظر عن صحة تلك من عدمها، فانه ما يهمنا هو امن واستقرار المنطقة وهذا يتطلب سياسة متوازنة وعادلة من قبل الولايات المتحدة .

أما إذا لم يتغير الدور الأميركي في المدى المنظور، فانه لا سبيل للحديث عن عملية تسوية،خاصة في ظل تعنت إسرائيلي مقيت، وفي حال الاستمرار هكذا ، فان المحصلة إلغاء الاتفاقيات وربما تفضيل خيار المقاومة كحل بديل. ومثل هذه الأجواء بعدم الاستقرار سيعزز ظاهرة التطرف والارهاب ويضعف دور دول الاعتدال ويعطي ذريعة لأصوات الانغلاق والانعزال والتشدد باستغلال ذلك المناخ في تهييج الشعوب وتعزيز الكراهية للغرب والولايات المتحدة تحديدا. وهنا تكمن الرسالة السعودية.. فهل يفعل شيئا صاحب شعار التغيير ،أم انه لن يختلف عن سابقيه من الرؤساء الأميركيين؟! ويبدو أن الزمن هو الكفيل بالإجابة!!