حبيب الصايغ

في زمن الانشغالات الهامشية عربياً، وبفعل فاعل، تنصرف مساحة هائلة من الكتابة عن أهدافها الحقيقية أو المفترضة، لتدخل في دهاليز مطرزة بالوهم بل الندم . هو خطاب الحسرة والتباكي على الفرص الضائعة المضيعة، وهو خطاب النزوع إلى الاستسلام، والخضوع على صعد وجبهات لا تحصى . النقد في هذه الحالة حاضر، لكنه النقد السلبي بمعنى الكلمة، حيث السلبية عنوان إهمال وتقصير، وحيث هي شعور عارم بالذلة والهوان ينعكس على البعض بصورة مأساوية حقاً، فيتحول إلى عقدة نقص ليس أكثر أو أقل .

وبدلاً من محاولة بث قيم التغيير والتطوير في أوطانهم ومجتمعاتهم، تبادر قطاعات عريضة من الكتاب والمفكرين العرب، على اختلاف أقطارها وتوجهاتها، إلى اتباع نهج غريب، مؤداه التركيز على لوم الآخر، وكيل التهم إلى سياساته، فحيناً يسلط اللوم والقدح إلى الدور الذي تقوم به دول أخرى، بل ربما نالت السهام بلداً عربياً رأى أولئك الجهابذة أنه يتجاوز دوره، أو يقوم بما هو أكبر من حجمه، ناسين أو متناسين أن مهمتهم الأساسية تعزيز أدوار دولهم، وبعضها منحسر بسبب من سوء السياسة، أو حتى ترتيب الأولويات بين الداخل والخارج بشكل خاطئ، وكأنه لا تجارب أو خبرات سابقة، وكأنه لا معرفة بالتاريخ أو قدرة على قراءته، وإعادة قراءته وتفسيره .

يذهب هؤلاء الكتاب والمفكرون والصحافيون والمحللون السياسيون يميناً وشمالاً، ويكتبون عن الجهات جميعاً إلا جهتهم الخاصة، ويتناولون الساحات كلها إلا ساحتهم، وفي هذا من الخلل الفني والأخلاقي ما فيه، حين يعبر عن حالة فظيعة من العجز والإحباط وفقدان الأمل، والتخلي عن الأحلام الكبيرة التي تربت عليها أجيال عربية بأكملها .

وهم يؤسسون لسياسات تفاقم من تقوقع مجتمعاتهم باعتبارهم قادة الرأي والحوار فيها أو هكذا يفترض .

إنهم مدعوون إلى الصمت . لقد تعبت شعوب أمتنا العربية من طروحات وادعاء هذا الفريق من الكتاب، وآن لهم أن يكسروا أقلامهم ومحابرهم، وأن يختفوا وراء أصابعهم والظلام .