حسان حيدر
الحادث الذي وقع في مطار بيروت وأسفر عن مقتل شاب اختبأ بين عجلات طائرة مقلعة ليس مستغرباً في بلد يخرج كل شيء فيه عن ابسط الاصول والقواعد، ويخضع كل شأن من شؤونه لمعايير هي أبعد ما تكون عن البديهي المتعارف عليه في أي دولة اخرى، منذ ان صار البت في كل أمر مهما صغر شأنه مرهوناً بالتراضي بين الطوائف والمرجعيات وأصحاب النفوذ والمصالح وحملة السلاح والمرتهنين، ولذا لا يشذ الوضع في المطار ومحيطه عن الوضع العام السائد في سائر انحاء الجمهورية ومؤسساتها من دون استثناء، حيث laquo;الشاطر بشطارتهraquo; وحيث لا يملك المواطن العادي سوى ذاته يعتمد عليها في تسيير حياته يوماً بيوم ودرء الأذى عن نفسه وعائلته وبيته وعمله.
والخروقات المؤلمة في laquo;سياجraquo; بلد الأرز لا تحصى، وآخرها ما شهده مجلس النواب من جدل حول اتفاقية مع فرنسا تشمل بنداً أمنياً ينص على التعاون في مكافحة الارهاب، كانت الحكومة أقرتها بإجماع اعضائها، بمن فيهم ممثلو المعارضة السابقة الذين لم يستقروا بعد في موقع، ثم احيلت على البرلمان لتصديقها. لكن نواب الاطراف انفسهم الذين لم يبدوا احتجاجاً عليها في مجلس الوزراء اعترضوا وقاطعوا وعطلوا النصاب مطالبين بتعديلات على الاتفاقية تعني عملياً الغاءها. فما الذي تغير بين الجلستين الوزارية والنيابية؟ لا شيء في الداخل: الوضع على حاله من laquo;وحدة وطنيةraquo; مجسدة في الحكومة، والأمن المستتب تمهيداً لموسم الاصطياف لم تعكره صدامات laquo;الاهاليraquo; مع laquo;اليونيفيلraquo;، وزحمة السير الخانقة على ما هي، والتلوث في أعلى مستوياته، وارتفاع الاسعار لا يقف عند حد... الذي تغير عملياً كان في الخارج، حيث توترت العلاقات بين ايران وفرنسا بسبب العقوبات الدولية وسعي باريس الحثيث الى اقناع الاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات اضافية على طهران، فصحا ضمير نواب laquo;حزب اللهraquo; وحركة laquo;املraquo; و laquo;اكتشفواraquo; ان هناك ثغرة خطيرة في تعريف الارهاب فاتت وزراءهم.
وغدا عندما يبحث الوزراء في تخصيص موازنة لتعزيز اجراءات الأمن في المطار، سيكمن الشيطان كالعادة في التفاصيل، وسيهدر الوقت في نقاش عبثي حول من سيشتري الاجهزة، ومن أي دولة، وهل هي صديقة ام عدوة، وهل تشاركنا التعريف نفسه للارهاب، ومن سيركب الاجهزة ويكون مسؤولاً عن تشغيلها، وهل توزيعها في انحاء المدارج يهدد أمن المقاومة، وهل هدم بعض المنازل المتداخلة مع حرم المطار يخل بالتعايش، ومن سيراقب من يراقب المطار، والى من يرفع تقاريره؟ ومئات سواها من الاسئلة التي لا اجوبة لها طالما انه ليست هناك دولة مركزية تضطلع بأمنها وأمن مواطنيها، ولا حكومة متجانسة تتخذ قرارات تكون مسؤولة عنها امام شعبها وبرلمانه.
وفي خضم المعمعة حول من هو المسؤول عما حدث، وانتقال المشكلة الى ايجاد بديل عن مسؤول امن المطار المستقيل، لا بد من ان يكون من طائفته نفسها، وان يكون مرضياً عنه من القابضين على تلابيبها، وان يكون له سجل في تفضيلها على ما سواها، لم يعد احد يتذكر او يعبأ بما حصل لشاب عشريني قضى بين عجلات طائرة وهو يحاول الهروب من laquo;سويسرا الشرقraquo;.
التعليقات