راكان حبيب

قلت لمدير أحد معاهد التمريض وجدت لك باب رزق. وأكيد أنه جميل.. ووفير لكن (مو دعاية) . فسألني متلهفاً: أين هو؟.. دلني عليه. أجبته عليك أولاً أن تغير وظيفة المعهد ليمارس تمريض العقول المتحجرة بدلاً من تعليم التمريض. فالمجتمع أمامك يشهد حالة مستعصية جعلت المتجادلين من المتشددين والتنويريين، والتقليديين والتطويريين يتشاتمون ويتناحرون حتى وصل الأمر بفريق واحد أن يكفر بقية الأطياف. وختمت حديثي مؤكداً أن المرض قد استشرى في شرائح التابعين لكل تيار. وفيهم من المطبلين والمؤججين ما يستدعي ضرورة الإسراع في علاج نفوس هؤلاء ليتعلموا الرفق والمحبة في التعامل.
سوف أكون محايداً ولن أتكلم عن مكان الخطأ والصواب في القضايا التي يدور حولها التكفير لأن الجدل فيها عقيم، إذ لم يثمر النقاش فيها عن حوار بناء ذي فائدة مجتمعية كتلك التي تجنيها بقية المجتمعات من الحوارات الحضارية بين أطيافها، على العكس من ذلك، زاد الخلاف.. وزاد معه التكفير وازدادت شهية التحزب للرأي الواحد والكراهية للغير حتى بين المشايخ أنفسهم. لذلك سوف أذكر أهم ثلاثة مسببات لمرض المتجادلين الشتامين في مجتمعنا: أولها ضعف المصداقية وثانيها الابتعاد عن أخلاقيات الحوار والثالثة تكفير بقية الأطياف والتيارات وإبداء الكراهية والعداء لهم.
بمجرد ظهور الآراء المخالفة لأية فتوى، ينبري تلاميذ ومريدو صاحب الفتوى للدفاع عن شيخهم. طبعاً لا أحد ينكر عليهم هذا الحق، ولكن يؤخذ عليهم كسر عنق الحقائق والوقائع لإظهار الحق مع شيخهم بوسائل غير مقبولة. فتبدأ علامات ضعف المصداقية بإنكارهم للفتوى.. والإدعاء بأن الغير قد حرفها رغم وجودها بالصوت والصورة على اليوتيوب، لكن سرعان ما يعترفون في موضع آخر أن الشيخ قالها في مجلس خاص لطلبته! ثم يظهر ضعف الأخلاقيات من خلال الشتم والسباب واتهام الغير بالفسوق والنعوت البذيئة. علاوة على ذلك يصرحون علانية بالكراهية للمختلفين معهم فيكفرونهم ويدعون عليهم بالمصائب وتمني المرض والموت والتشريد والفقر!
لا يمكن لأي مراقب إلا أن يتوقع عدم الفائدة من هذا الجدل العقيم.. وسوف يبصم بأنه مضيعة للوقت، وإلهاء عما هو مهم للمجتمع، لذا علينا أن ننقذ مجتمعنا من هذه الحالة بفتح مدارس ومعاهد لتعليم الناس القيم وتعويدهم على المحبة وتجفيف الكراهية من نفوسهم لجعل تعاملهم أكثر انفتاحا ورفقاً، لكن قبل ذلك علينا كأفراد أن نكون مدارس متنقلة لنشر المحبة والرحمة في بيوتنا وفي العمل والمسجد والمدرسة والمصنع والنادي، إننا لو قصرنا في نشر المحبة والرفق، فسوف ندفع مجتمعنا لينحدر إلى نفق ضيق ومظلم.