يوسف الكويليت

لبنان يضيء، وأحياناً يحترق بفعل الجبهات التي تشعل أنواره، فعندما تشاهد الحوارات على محطاته الفضائية وغيرها، وترى بلاغة الكلام والحجج وموضوعية النقاش، تستغرب كيف يغرق هذا البلد في مسائل جانبية تقوده للحروب، والاعتصامات، ويزول استغرابك إذا ماعرفت أن العرب لم ينجحوا بالدكتاتوريات ، وأفلسوا من اتباع نهج الديموقراطيات ولبنان خير مثال لكل العجائب..

روابط المملكة مع هذا البلد القلق، اتسمت دائماً بالواقعية، أي لابد أن تقبل به مسالماً يختزل كل الخبرات السياحية وفن الدعاية، وكسب الآخرين بمهارة متناهية، أو أن تحايده في صخب إعلامه وإجادته اللعبة الخطرة التي أدت إلى عداء عواصم عربية، وصداقة أخرى من باب المصالح فقط، والملك عبدالله الذي عمل على انتشال لبنان اقتصادياً وسياسياً، لا يراه بعين واحدة، لأن الأهمية التي يحظى بها، رغم التعقيدات الاجتماعية والأثنية، هي من طبيعة اللبنانيين، ومع ذلك فإنه بلد يجاور إسرائيل واكتوى بحروبها بما يوازي ما يعايشه الفلسطينيين، ويؤوي مئات الآلاف من لاجئيهم، إلى جانب التعقيدات التي فرضتها ظروف المنطقة عليه وإدخاله اللعبة التي كلفته الكثير..

والملك عبدالله يذهب للبنان ليس بداعي إملاء سياسات أو تقديم نصائح، وإنما للحوار في مختلف المسائل الحساسة، سواء علاقاته بجواره، أو حالات التجاذب التي تجري على ساحته، أي أنه يذهب وليس في ذهنه طائفة أو حزب، لأنه ينظر لكل اللبنانيين من واقع مواطنتهم، وشراكتهم في جميع ما يطرأ على بلدهم، ويحمي استقلاله وقراره..

فإذا كانت المصالحة مع سورية، جاءت لصالح الأمة العربية وأن خلافاتهما طارئة وليست أساسية، فإن التداعيات الأخرى، لو حسمت لما حدث أي تدخل خارجي، ومع ذلك فصداقة المملكة للبنان راسخة، وفي خلافاته وحروبه لم تكن تنحاز لطرف على آخر، وإلا لدخلت مأزق الانقسامات فيه، وعوامل التقارب لم تكن وليدة اليوم عندما ننظر لأكثر من نصف قرن على نشوء هذه العلاقات..

الأمر المهم هو أن لا يتعرض لبنان لنكسة جديدة، تبدأ بالتوتر ولا تنتهي بتصاعد الأزمات، لأن ما بني على أنقاض دمار الحرب الأهلية، ربما أعطى الدروس لكل اللبنانيين، عندما أصبح ساحاتٍ لحروب دولية ، وتدخلات أجنبية وإقليمية، وهو الآن يتعافى، وليس من المنطقي أن يعود إلى النقطة الحرجة..

المملكة مع حرية لبنان، وترفض أن يوجد وصي عليه، لكن لا يجب التشكيك بمواطنة أي حزب أو طائفة، لأن الجميع ولدوا وعاشوا على أرض واحدة، ولا يمكن الانتقاص من أي قائد أو مواطن، وصيغة التعايش، لا تقرَّر من خارجه بل من عمقه، والمملكة دائماً تسعى لأنْ تكون لقاءات قادتها بالإخوة اللبنانيين حميمة، وغير محسوبة على مكاسب سياسية، إذا كانت كل الأفعال تتوَّج بالنجاح..