محمد قيراط
ظاهرة الإرهاب ليست جديدة على الإنسانية، بل هي ظاهرة عرفتها البشرية منذ العصور القديمة، حيث تميزت عبر العصور بكونها معقدة ومتعددة الأشكال والأسباب والأهداف والنوايا.
لكن الآلة الإعلامية والسياسية، وحتى الدينية الغربية، كرّست جهودها في السنوات الأخيرة لحملة مدروسة ومنظمة لربط الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف، انطلاقاً من الهجمات التي ضربت الولايات المتحدة ومدريد ولندن وباريس والعديد من دول العالم.
وإن كنا نرى أن الإرهاب ليس مشكلة العصر الوحيدة ولا أكثرها فتكاً وأهمية، فإننا نرى أن المحاولات الخبيثة لإيجاد أصول لهذه الظاهرة في الإسلام كديانة وثقافة، هي الأخطر على الإطلاق.
نحن في هذا السياق لا نضع الإسلام في قفص الاتهام لمحاولة تبرئته وإسقاط التهمة عنه، بل نلجأ لتقديم ما ورد في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الشريفة، من آيات وأحاديث تنبذ الترهيب والتخويف والاعتداء على أرواح الناس أو ممتلكاتهم.
تكمن المشكلة الأساسية في عدم وجود تعريف واضح ودقيق ومتفق عليه لمصطلح الإرهاب، أو صور محددة لمعالجته. هذا اللا معرف واللا مسمى، أصبح ذريعة لاستهداف أفراد ودول وحتى معتقدات.
فإن كان الإرهاب هو القتل العشوائي الذي لا يفرق بين مدني وعسكري، ولا بريء أو مسيء، ولا مظلوم أو ظالم، ولا يبالي بالأرواح ولا الممتلكات، فلا يمكن أن تكون لهذه الأعمال صلة بالإسلام، كما سنوضح لاحقاً.
لقد تحول الإرهاب إلى صفة لصيقة بالعرب والمسلمين، لدرجة ارتباطه بصورة ذهنية مشوهة لرجل عظيم اللحية قصير الثوب مقطب الجبين بغيض الملامح، وهو بلا شك عربي ومسلم!
حتى استثني باقي الأعراق والأديان من هذه التهمة، رغم أن تاريخ العديد من الدول المتشدقة بالحرية والعدالة والديمقراطية، حافل بالمجازر والجرائم التي أقل ما يقال عنها إنها إرهابية.
يكفي أن نشير إلى أن أول جماعة قامت بأول عمل إرهابي كبير في الولايات المتحدة، هي جماعة أميركية مسيحية أصيلة.
ولا ننسى الجرائم المرتكبة ضد الهنود الحمر، واضطهاد السود، وقتل مئات الآلاف في هيروشيما وناغازاكي، ومحاكم التفتيش والتمييز العنصري، وجرائم الاستعمار. وفي الوقت الذي يُتهم فيه العرب والمسلمون بالإرهاب، نجد أنهم في الحقيقة ضحايا الإرهاب بمختلف أشكاله وأنواعه؛ الاستعماري والاستيطاني والفكري والاقتصادي والثقافي والسياسي.
وقد صُنف العديد من الحركات والمنظمات في العالم بأنها إرهابية؛ كحركة laquo;كاخraquo; الإسرائيلية، وجماعة النظام الجديد اليمينية الإيطالية، ومنظمة أبناء الحرية الأميركية، ومنظمة نوكاها اليابانية، وحركة شباب لاوتار التشيلية، وحزب العمال الكردستاني، ومنظمة تحرير الباسك، ومنظمة جيش التحرير الوطني الإيرلندي وغيرها الكثير.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا تذكر ديانة أو إيديولوجية هذه الجماعات، كما يحدث مع العرب والمسلمين حين تتحدث عنهم ألسن السياسيين والإعلاميين؟ لماذا لا نسمع عن إرهاب مسيحي أو يهودي أو شيوعي، في وقت يضج فيه العالم بالحديث عن الإرهاب الإسلامي؟
ارتبط ظهور ما يسمى بlaquo;الإرهاب الإسلاميraquo; بمرحلة انهيار القطبية الثنائية، وقد أصبح بديلا يعيد العالم إلى الثنائية، ولكن ليست القطبية التنافسية، بل التصارعية، نظراً للتفوق العلمي والتكنولوجي والاقتصادي الغربي. وقد تحول مصطلح الإرهاب بعد ؟؟
سبتمبر، إلى ظاهرة إعلامية تشبث بها الكثيرون للحصول على الاسم الرمزي وحشد الشباب تحت مظلته. بدأ في الانتشار بشكل مخيف ليأخذ في كل دولة صبغة محلية وصدى عالمياً، لا يعرف من يمولها ومن ينظمها ولا آلية تحركاتها.
لم تكتف هذه المجموعات باستهداف الدول الغربية، بل تعدت ذلك لتضرب في العمق العربي والإسلامي، دون أن تفرق بين مسلم وغير مسلم أو عسكري ومدني. لقد تسببت هذه الهجمات في تأثيرات بالغة الخطورة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فقد أحدثت شرخاً في الهيكل الاجتماعي وإحباطاً بين المواطنين، إذ تفقد الأفراد والجماعات الثقة فيما بينهم.
كما أدت إلى تهديد الاستقرار والتدمير المباشر لموارد الدول. الإسلام يحرم الإرهاب والفساد في الأرض، ويعاقب عقاباً شديداً الإرهابيين: laquo;إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم، إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيمraquo; (المائدة: 33-34).
وهذا يؤكد أن الإسلام هو دين السلم والأمان، على عكس ما تدّعي الآلة الإعلامية الغربية والأوساط السياسية المناوئة للإسلام، متهمة إياه باعتماد منهج العنف في التغيير واستعمال أساليب إرهابية في نشر الدعوة والتعامل مع الأعداء. ويبررون كلامهم وادعاءاتهم الباطلة، ببعض الآيات القرآنية التي تحث المسلمين على الجهاد في سبيل الله.
قال عز وعلا: laquo;وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهمraquo; (الأنفال:60).
وهذا يعني الاستعداد للعدو ومقاومته بقوة واقتدار، والهدف هنا هو إرهاب العدو منعاً لعدوانه علينا. أما الترهيب دون سبب مشروع، فهو محرم. فالإسلام جاء لتحقيق أهداف عظيمة، تتمثل في حفظ الضرورات الخمس، وهي مقاصد الشريعة التي تتمثل في حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض وحفظ المال.
وهذه المقاصد كلها تتنافى مع الإرهاب والاعتداء على أمن وحرمة الآخرين. وكل عمل تخريبي أو إجرامي أو إرهابي يستهدف أمن الأبرياء والعزل والآمنين، مخالف لشرع الله.
فالشريعة تصر وتؤكد على عصمة دماء المسلمين والمعاهدين، وعلى حماية الأرواح والممتلكات، laquo;ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدينraquo; (القصص:77).
التعليقات